بلينكن انتقد الخطوات التطبيعية مع دمشق كان واضحا في تحذير أبوظبي من عواقب الاقتراب من النظام السوري.
أثارت الخطوة الإماراتية استياء واشنطن لأنها ستقود لفقدان واشنطن السيطرة على منظومة العقوبات وتُفرغها من مضمونها.
عيون أبوظبي موجَّهة نحو إعادة الإعمار وفرص واعدة بقطاع الطاقة المتجددة في سوريا ولبنان ورغبة بالاحتفاظ بدور جيواقتصادي في استراتيجية الإدارة الامريكية.
أبوظبي تبحث عن أدوار جديدة تمكنها من منافسة قطر، والاحتفاظ بموقع متقدم في بناء وصياغة الإستراتيجية الأمريكية؛ فهي سباقة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني.
هل ينجح سعي أبوظبي أم إن طموحاتها ستتحطم على صخرة رفض أمريكي ممزوج بقلق واشنطن من تحول المنافسة بين حلفائها لفجوة كبيرة في إستراتيجيتها؟
* * *
بقلم: حازم عياد
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن انتقد التطبيع مع دمشق في معرض تعليقه على لقاء وزير الخارجية الاماراتي عبد الله بن زايد الرئيسَ السوري بشار الاسد في دمشق الثلاثاء الموافق 9 تشرين الثاني نوفمبر الحالي.
بلينكن الذي انتقد الخطوات التطبيعية مع دمشق كان واضحا في تحذير ابوظبي من عواقب الاقتراب من النظام السوري أثناء لقائه نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في واشنطن، ضمن فعاليات “الحوار الاستراتيجي السنوي الرابع” الذي جمع الدوحة بواشنطن.
فأمريكا لن تقدم استثناءات لأبوظبي فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة على دمشق أسوة بعمَّان والقاهرة؛ حيث إن زيارة عبد الله بن زايد لدمشق لم تقتصر على عقد لقاء مع الاسد، بل شملت الاتفاق على انشاء محطة لتوليد الكهرباء.
وهو ما أثار استياء واشنطن؛ لأن الخطوة الإماراتية ستقود الى فقدان واشنطن السيطرة على منظومة العقوبات، وتُفرغها من مضمونها، وهي المسألة التي تحاول كل من طهران ودمشق الاستثمار فيها من خلال توسيع نطاق الاستثناءات لتشمل مروحة واسعة من الدول.
أبوظبي ذهبت بعيدًا بالإعلان عن استثمارات محتملة في الطاقة الشمسية لتزويد دمشق بالكهرباء من دون مشاورة واشنطن، في محاكاة لمشروع استجرار الكهرباء والغاز عبر الاردن الذي اقترحته السفيرة الأمريكية في لبنان. وهو مشروع جاء في سياق التنافس مع طهران التي عمدت إلى إرسال شحنات من النفط الى لبنان؛ أملًا في علاج ازمة الطاقة المتفاقمة.
أبوظبي التي بادرت بالانفتاح على دمشق قبل ثلاثة أعوام، وفتح سفارتها في دمشق تجاوزت المبادرة الامريكية لاستجرار الكهرباء والغاز عبر سوريا الى لبنان بإنشاء محطة توليد الكهرباء بالقرب من دمشق.
فعيون أبوظبي موجَّهة على إعادة الإعمار، والفرص الواعدة في قطاع الطاقة المتجددة في سوريا ولبنان، لكنَّ الأهم هو رغبتَها القوية في الاحتفاظ بدور جيواقتصادي في الإستراتيجية المقبلة للادارة الامريكية؛ إذ إنها وجدت في الاستثناءات المقدمة للقاهرة وعمَّان فرصة لتسويق بضاعتها في دمشق، الأمر الذي قابله رفض وتحذير أمريكي على لسان الوزير بلينكن.
تحذيرات بلينكن شكلت خيبة أمل لأبوظبي؛ فرغم مشاركتها في مناورات بحرية مشتركة مع الكيان الصهيوني في البحر الأحمر تحت راية قوات القيادة المركزية الامريكية “سينتكوم”، ورغم حماستها للتطبيع مع الكيان الصهيوني، إلا أن إمكانية استثناء ابوظبي من عقوبات قانون قيصر الأمريكي ستبقى مستبعدة.
فالخشية الامريكية من استفادة النظام السوري وحلفائه الإيرانيين من الاستثمارت الإماراتية والاستثناءات كبيرة؛ فطهران احتفت بالتحرك الإماراتي بشكل دفع وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان إلى الاتصال بنظيره الاماراتي، وتوجيه دعوة للوزير عبد الله بن زايد لزيارة طهران.
لكنَّ الرغبة الجامحة لأبو ظبي لن توقفها تصريحات بلينكن؛ إذ يرجح أن تعيد طرح القضية على طاولة البحث مع منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكجيرك الذي بدأ جولته بزيارة ابو ظبي، والى جانبه المبعوث الخاص إلى إيران روبرت مالي، وستيفاني هاليت مديرة مجلس الأمن القومي لشوؤن الخليج، وغاريت بلانك كبير المستشارين، وشون ميرفي القائم بالأعمال في السفارة الأمريكية لدى الإمارات.
انفتاح ابوظبي على دمشق وعلى نحو صارخ تجاوز الرغبة في منافسة النفوذ الاقتصادي الايراني في سوريا إلى تعزيز موقعها في أسواق الطاقة المتجددة، وعملية إعادة الإعمار الواعدة في سوريا، ومنافسة الدوحة في الوقت ذاته؛ إذ تمثل الطاقة أحد الحوافز المهمة للتحرك الإماراتي الى جانب منافسة الدوحة لتعزيز نفوذها في شرق المتوسط.
توجه أبوظبي لم يحظَ بعد بقبول الإدارة الامريكية؛ حيث التحركات الاماراتية تُقلق واشنطن التي تخشى فقدان السيطرة، وتوسع الثغرة في عقوبات قانون قيصر، وفي إستراتيجيتها السياسية والامنية بفعل تنافس حلفائها، وهو ما تكرر في عدد من الساحات ممكِّنًا طهران من تحقيق خروقات كبيرة وواسعة.
ختامًا
أبوظبي تبحث عن أدوار جديدة تمكنها من منافسة قطر، والاحتفاظ بموقع متقدم في بناء وصياغة الإستراتيجية الأمريكية؛ فهي السباقة إلى التطبيع، والانفتاح على الكيان الصهيوني بشكل فاقتْ به القاهرة وعمّان بمناورات عسكرية ومشاريع اقتصادية، كما أنها تسعى لتكرار ذلك مع بيروت ودمشق وطهران.
فهل تنجح أبوظبي في ذلك أم إن طموحاتها ستتحطم على صخرة الرفض الامريكي الممزوج بقلق واشنطن من تحول المنافسة بين الحلفاء الى فجوة كبيرة في إستراتيجيتها، تُذكر بما حدث وما يزال يَحدث بُعيد- حصار قطر في اليمن والسودان وليبيا؟
* حازم عياد كاتب صحفي أردني
المصدر| السبيل الأردنية
موضوعات تهمك: