تداعيات اقتحام الكونغرس ما زالت متواصلة في أميركا
تدهورت الخصومة السياسية في واشنطن من المنافسة إلى البذاءة ثم إلى التخوين وأخيرا وصلت إلى حد التهديد بالقتل!
تخشى أوساط كثيرة أن يكون دخول لغة الاغتيال لقاموس التعامل بين الأطراف الحزبية داخل الكونغرس الأميركي مقدمة لعواصف قادمة.
منذ ترامب وبعده ضاق مجال التنازلات في اللعبة السياسية لأبعد الحدود وتسللت ثقافة الاستئثار فباتت تتردد بواشنطن عبارة “ديمقراطيتنا امتدت إليها النار”.
اتهم ترامب مجدداً نائبه مايك بنس بشكل غير مباشر بالمشاركة في “سرقة” الانتخابات حين رفض طلبه يوم 6 يناير الماضي بعدم التصديق على نتيجة تصويت المجمع الانتخابي بزعم أنها “مزورة”.
* * *
تراجعت لغة الخطاب السياسي في واشنطن بدرجة غير مسبوقة، لتصل في الفترة الأخيرة إلى درك من الرداءة غير معروف سوى في بعض “جمهوريات الموز”، أو في قلة من الدول الفقيرة الموسومة بتجربة الحكم بأسلوب المافيات.
وتدهورت الخصومة السياسية في واشنطن من المنافسة إلى البذاءة، ثم إلى التخوين، وأخيراً وصلت إلى حد التهديد بالقتل.
ولم يتوقف ذلك على مستوى القواعد والمحازبين فقط، بل انتقل أيضاً إلى الكونغرس، ما أثار خشية أوساط كثيرة أن يكون دخول لغة الاغتيال إلى قاموس التعامل بين الأطراف الحزبية داخل البيت التشريعي مقدمة لعواصف قادمة، تكون من عيار غزوة الكونغرس التي نفذها أنصار الرئيس الجمهوري السابقدونالد ترامب، قبل أقل من سنة، وربما أكثر.
بلغ هذا التصعيد ذروته قبل أيام، عندما وضع النائب الجمهوري بول غوسار، على حسابه في وسائل التواصل الاجتماعي، فيديو على شكل صور متحركة (سحبه فيما بعد) تمثله وهو يهجم على الرئيس الأميركي جو بايدن، ويقوم يقتل النائبة الديمقراطية “التقدمية” ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، التي يعتبرها خائنة وعدواً شيوعياً ينبغي الخلاص منها.
ترافقت مع هذا التعبير العدائي تجاه الديمقراطيين حملة شرسة بلغة التخوين والتهديد على النواب الجمهوريين الـ13 الذين صوتوا الأسبوع الماضي لصالح مشروع بايدن للبنية التحتية. على الأثر وفي ضوء المخاوف التي أثارها، ارتفعت دعوات لطرد غوسار من مجلس النواب وتقدم الديمقراطيون بمشروع قرار في المجلس لتوبيخه.
مع ذلك، كان يمكن أن ينتهي الأمر عند هذا الحد واعتبار ما قام به النائب غوسار زلة لسان أو هبة انفعال، خاصة أن سيرة العنف ليست غريبة على التاريخ السياسي الأميركي.
ترامبي حتى النخاع
لكن خلفية كلام غوسار أسبغت الجدية على تهديده، وبما جعله يبدو إنذاراً مبكراً لتصعيد نوعي لاحق تحذر منه الجهات الأمنية منذ فترة. فالرجل ترامبي حتى النخاع، ويقال إنه كان من المتعاطفين مع التظاهرة التي اجتاحت الكونغرس.
كما أن غوسار ينتمي إلى النواة الصلبة لقاعدة الرئيس السابق التي لا تعترف برئاسة بايدن. ويبقى أهم ما أعطى كلامه طابع الخطورة أنه يأتي في سياق المعركة المستمرة التي ما زال يقودها ترامب ضد الانتخابات الرئاسية الأميركية، والتي يقول إنهم “سرقوها” منه والتي تأخذ عدة أشكال.
ويوم الخميس، اتهم ترامب مجدداً نائبه مايك بنس بصورة غير مباشرة بأنه شارك في تلك “السرقة” حين خذله ورفض طلبه، يوم 6 يناير/ كانون الثاني الماضي، بعدم التصديق على نتيجة تصويت المجمع الانتخابي بزعم أنها “مزورة”.
امتدت إليها النار
وعلى هامش هذه المعركة، يخوض ترامب الآن مواجهة لعرقلة التحقيق الخاص الذي يقوم به مجلس النواب في غزوة اقتحام الكونغرس، حيث فرض على كبار معاونيه السابقين، الذين ما زالوا موالين له، الالتزام بعدم الحضور أمام لجنة المجلس للإدلاء بما لديهم من معلومات حول الموضوع، مع أن ذلك تترتب عليه تبعات قانونية بحق الممتنعين.
والرهان في ذلك، إذا نجح، هو منع وصول التحقيق إلى أي ممسك يربط ذلك الحدث بترامب، وبما يؤثر على احتمال ترشيحه في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024 أو الإقدام على ترشيح أحد الموالين له من الجمهوريين.
فترامب ما زال حتى الآن يمسك إلى حد ملحوظ بقرار الحزب الجمهوري، ولو أن بعض قادته بدؤوا يتفلتون من قبضته، وتمكنوا قبل أسبوعين من كسب معركة حاكمية ولاية فرجينيا رغم استبعاده عن حملتها الانتخابية.
لكن مع ذلك، هو لا يزال يحافظ حتى اللحظة على حضوره الوازن لدى قاعدة الحزب الانتخابية، وإلى الحد الذي فرض على الجمهوريين عموماً في الكونغرس النأي عن الاصطدام معه أو مع الموالين له.
وهذا ما يفسر سكوتهم على النائب غوسار وعدم إدانة ما صدر عنه أو حتى مطالبته بالاعتذار. فالتهديد الذي صدر عن هذا الأخير لا ينفصل عن حرب ترامب على الانتخابات والنظام، والمتوقع أن تتواصل لغاية الانتخابات القادمة.
وبذلك، يبتعد ترامب والموالون له عن الخصومة التقليدية القديمة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، التي طالما بقيت ضمن المساحة الإيديولوجية والسياسية المشتركة، رغم الفوارق في المقاربات والتوجهات التي جرت العادة في الكونغرس على التعامل معها بالتنازلات المتبادلة لتمرير المشاريع وترجمة السياسات.
منذ ترامب وبعده، ضاق مجال التنازلات في اللعبة السياسية إلى أبعد الحدود، وبدأت تتسلل إليها ثقافة الاستئثار. ولهذا، كثيرا ما تتردد في واشنطن عبارة “ديمقراطيتنا امتدت إليها النار”.
المصدر| العربي الجديد
موضوعات تهمك: