المحتويات
موجات تغيير عظيمة.. كيف سيبدو العالم؟
“العالم سيتعرض لعملية تغيير عظيمة لم يسبق أن شهدتها البشرية”. بهذه العبارة يبدأ مارشال فاين سومر كتابه “موجات التغيير العظيمة”.
إن موجات التغيير تتجمع الآن، لكن البشرية ليست واعية بالآثار الخطيرة لتلك الموجات، وهذه التغيرات العظيمة ليست نتيجة لحدث واحد، ولن تتم في وقت محدد، ولكنها عملية معقدة تتم نتيجة تراكم الكثير من العوامل التي يجب أن يقوم الباحثون المبدعون بقراءتها بعمق لتحذير مجتمعاتهم من المخاطر، وإعداد الشعوب لمواجهتها.
هذه العوامل متعددة الأبعاد والمجالات، لكن يمكن أن تتجمع مخاطرها لتنفجر فجأة في وجه الذين تصوروا خلال القرن الـ20 أنهم يمتلكون القوة الصلبة، وأنهم قادرون على استخدامها لتشكيل واقع ينهبون فيه ثروات الشعوب، ويتركونها تعاني ويلات الفقر والمجاعات.
مَن صنع المشكلة لا يحلها
تأمل في أحوال ذلك العالم المضطرب لتدرك أن المناخ يتغير ويهدد بكوارث طبيعية، وأن الموارد تتناقص وتهدد العالم بأزمة في الماء والغذاء، وفي الوقت نفسه تتزايد خطورة الأوبئة التي تعجز الدول عن مواجهتها، ومن أهمها وباء كورونا.
ولأن تلك الدول اهتمت ببناء قوتها الصلبة مثل الجيوش والأسلحة لشن الحروب واحتلال أراضي الشعوب، وأنفقت آلاف المليارات لتحقيق هذا الهدف، كان من الطبيعي أن تنهار منظومتها الصحية وتعجز عن مواجهة وباء كورونا الذي ملأ نفوس الناس خوفا ورعبا، وجعل كل إنسان يقف وحيدا في مواجهة حقيقة الموت وهو الآن يمكن أن يوجه كثيرا من الأسئلة للنظم الحاكمة، ومنها “ما فائدة كل تلك الأسلحة التي تكفي لتدمير الكرة الأرضية؟” و”لماذا تفاخرت أميركا يوما بقنابلها الذكية التي استخدمتها في تدمير أكواخ الطين التي يسكنها الفقراء في أفغانستان فتحول أجسادهم إلى أشلاء؟ و”هل يتفق ذلك مع الحضارة؟” و”ما أهمية التقدم إن لم يحقق السعادة للإنسان ويحفظ كرامته؟” و”ما فائدة ناطحات السحاب والعاصمة الإدارية والمنازل الأنيقة لشعوب تتضور جوعا؟”.
قرارات صعبة
إذا عدنا إلى كتاب مارشال سومر فإننا نجده يعرض أسئلة جديدة في مواجهة المخاطر التي تحملها السنوات القادمة، من أهمها “هل ستصر الدول الغنية على المحافظة على أسلوب حياتها وتستمر في الصراع والتنافس على السيطرة على الموارد وتتجاهل آلام الشعوب الفقيرة وبؤسها وتستمر في نهب ثروات الشعوب كما فعلت طوال القرنين السابقين؟ و”ماذا يمكن أن نتوقع من هذه الشعوب في المستقبل؟”.
يضيف سومر أن على البشرية الآن أن تختار طريقها؛ فهل ستستمر الدول في الصراع والتنافس واستخدام القوة الغاشمة؟ أم أنها يمكن أن تبحث عن اتفاق لتقاسم الموارد والتعاون في مواجهة المخاطر وبناء نظام عالمي جديد يحمي البشرية من الدمار؟
لم يجب سومر، لكن من أهم وظائف العلم إثارة الأسئلة الصحيحة في الوقت المناسب، ومن المؤكد أن البشرية الآن تقف في مواجهة مرحلة جديدة من التاريخ، وأنها يمكن أن تتعرض للفناء إن لم تتمكن من اختيار قيادات تتمتع بالحكمة والأخلاق والقدرة على تحقيق العدل.
لكن من أهم الأسئلة التي لم يعرضها سومر هي هل الحضارة الغربية التي صنعت المشكلة قادرة على تقديم حلول لها؟ وهل هذه الحضارة التي اهتمت بتطوير أسلحة الإبادة، وقامت بإفقار الشعوب تستطيع أن تنقذ البشرية من الكوارث التي سببتها بظلمها وغرورها وعنصريتها واستكبارها وانغلاقها على نفسها؟ أم أن البشرية تحتاج إلى الحضارة الإسلامية لتنقذها من الظلم والضلال والأنانية والجشع والقسوة لتبدأ مرحلة جديدة أكثر عدلا؟
وبالرغم من وضوح المخاطر التي تهدد البشرية ما يزال علماء الغرب لا يستطيعون مواجهة الحقيقة، وإثارة الأسئلة المناسبة.
ومن المؤكد أن سومر امتلك الشجاعة لعرض كثير من الأسئلة، لكن البشرية تحتاج إلى علماء أكثر شجاعة ووضوحا يضيؤون مصابيح النجاة، ويتقدمون لقيادة الشعوب للكفاح ضد الظلم الذي كان السبب الرئيس لما حدث من خراب ودمار ومذابح طوال القرنين الماضيين، وسيكون سببا للكوارث التي سيتعرض لها العالم قريبا.
لذلك فإن من أهم القرارات التي يجب أن تتخذها الشعوب لكي تعيش خلال هذا العقد وتحمي حقها في الحياة، هي أن تكافح ضد الظلم وتسقط الحكام المستبدين التابعين لأميركا، وأن تختار لنفسها قيادات جديدة تتميز بالشجاعة والحكمة.
وعندما تصنع الشعوب قراراتها وتختار قياداتها فإنها يمكن أن تتقدم لتواجه التحديات والمخاطر وتحمي حقها في الحياة.
ولكن، هل تستطيع الأمة الإسلامية أن تفعل ذلك؟ من المؤكد أن الأمة ستقدم إجابتها المبدعة والأصيلة عن هذا السؤال خلال هذا العقد.
خطورة الواقع الراهن
لو عدنا إلى كتاب سومر سنجده يوضح أن المخاطر التي تواجهها البشرية كامنة في واقعها، فحالة الانقسام التي تعيشها البشرية ستؤدي إلى الإخفاق في مواجهة تحديات المستقبل، لذلك فإن البشرية لا بد أن تبحث عن وسائل لتحقيق التعاون والوحدة بدلا من حالة الصراع والتنافس والكراهية.
إن كل دولة لا بد أن تسأل نفسها ماذا يمكن أن تحقق من مكاسب في الصراع إذا كانت البشرية كلها تتعرض للحرمان والفقر؟ وهذا السؤال يمكن أن يوجهه كل فرد لنفسه.
إن أهم نتائج موجات التغيير القادمة أن الحضارة الإنسانية ستفشل بسبب القوة.
وربما تكون تلك الحقيقة أهم ما قدمه سومر في كتابه، وهو بالتأكيد يقصد الحضارة الغربية بكل ما قدمته من إنجازات طوال القرنين الماضيين، فالقوة الصلبة المادية الغاشمة ستكون السبب في انهيار هذه الحضارة.
لكن ما الحل؟ يرى سومر أن الدول الغنية لا بد أن تبدأ مرحلة المراجعة، وأن تسأل نفسها لماذا وكيف تعيش؟ وكيف تستخدم الموارد والطاقة وتنفق الأموال؟ وأن تتحمل مسؤوليتها بدون خجل عن الدمار الذي تعرض له العالم، فالعاصفة ستضرب الجميع بقسوة، ولا يمكن لأحد أن يخفي رأسه في الرمال هربا منها.
إن كل دولة ستتأثر بالمشكلات التي تعانيها الدول الأخرى، وهي لا تستطيع مواجهة المخاطر وحدها أو الانغلاق على نفسها.
وحتى الآن لا تهتم تلك الدول الغنية بالمآسي التي تواجهها الشعوب الفقيرة، وفي كثير من الأحيان صنعت القوى الاستعمارية عذاب الشعوب وبؤسها، وقامت بإشعال نيران الحروب الأهلية، وفرضت على الشعوب الحصار لقهرها وإرغامها على التخلي عن حقوقها في الحرية.
لذلك هل يمكن أن يتحقق ما ينادي به سومر وتراجع تلك الدول القوية الغنية نفسها وتتحمل المسؤولية وتعترف بجرائمها ضد الإنسانية؟
التغيرات قادمة ولكن
هذا العقد سيشهد موجات التغيير التي ستضرب بقسوة أسس النظام العالمي الذي تمت إقامته بعد الحرب العالمية الثانية.
ومن المؤكد أن العالم فقد حالة الاستقرار، وأن كل النظم الحاكمة ترقد على براكين من غضب الشعوب وكراهيتها، وأن القوة الغاشمة لن تحمي أمن نظم ظالمة قهرت شعوبها، وأن موجات التغيير قادمة.
الوعي والمعرفة
إن من أهم وسائل مواجهة موجات التغيير الوعي والمعرفة التي تؤهل الدول لاتخاذ قرارات صحيحة يمكن أن تنقذ شعوبها، والمعرفة ترتبط بالحكمة والأخلاق والشجاعة.
لكن أميركا ما تزال تقوم بتجهيل الشعوب وتضليلها وتزييف وعيها، وهذا سيزيد خطورة الكوارث القادمة، ويقلل من القدرة على مواجهتها.
وموجات التغيير لا تحمل الأخطار والكوارث والمآسي فقط، لكنها أيضا يمكن أن تجبر البشرية على البحث عن أضواء اليقين، وتكافح من أجل الحرية والعدل، وتعيد بناء العالم، فتفرض على الدول القوية أن تتواضع، وتفهم أن القوة لها حدودها، وأنها لا يمكن أن تقهر إرادة الشعوب التي تصر على أن تحقق استقلالها الشامل.
كما أن موجات التغيير القادمة يمكن أن تفتح الطريق للحضارة الإسلامية لتتقدم لقيادة البشرية، وتنقذها من البؤس والأحزان التي أغرقتها فيها الحضارة الغربية بأنانيتها وجشعها وعبادتها للقوة الغاشمة، وتمجيدها للمادة.
إن العالم لا يمكن أن يهرب من موجات التغيير، لكنه يمكن أن يواجهها، ويحولها إلى فرصة لبناء نظام عالمي جديد، وبالتالي لا يجب النظر لموجات التغيير كمأساة حتى وإن حملت الكثير من الآلام التي قد تكون إرهاصات لولادة فجر جديد.
يقول سومر إن موجات التغيير القادمة يمكن أن تحمل للبشرية وعودا من أهمها أنها يمكن أن تعيد بناء العالم على أسس جديدة، فهناك احتمال لأن تعيش البشرية مرحلة جديدة يتحقق فيها التعاون والتقدم بشرط أن تبحث عن مسار جديد واتجاه صحيح.
لكن ذلك يعتمد على أن يبحث كل فرد عن القوة الكامنة فيه، ومن أهمها المعرفة التي وهبها الله إياها.
فما الحل الذي يقدمه سومر في كتابه لمواجهة موجات التغيير؟ الحل هو أن يستخدم الإنسان المعرفة التي يعترف سومر بأنها هبة من الله ومنحة منه.
حسنا، إن الأمة الإسلامية هي التي تمتلك المعرفة ورسالة الله الخاتمة للبشرية، والتي يمكن أن تنقذها، وتبني لها حياة جديدة، والمسلم لا بد أن يفهم أن وظيفته أن يحمل هذه الرسالة للبشرية، وأنه مسؤول عن إنقاذ الإنسانية وتحريرها من الزيف التي أغرقتها فيه الحضارة الغربية.
وموجات التغيير القادمة ستفرض على البشرية أن تستمع للمسلمين، فالإنسان يجب أن يتواضع عندما يواجه الموت، فلم يعد هناك مجال للاستكبار وغرور القوة، ولا بد أن يعترف كل إنسان بحاجته لمعرفة جديدة تضيء له الطريق، وتفتح أمامه أبواب الأمل واليقين، وهذا ما لم يجرؤ سومر على أن يقوله، ولكننا نملك الشجاعة لنعلنها بكل قوة ونقول إن الحضارة الإسلامية وحدها يمكن أن تنقذ البشرية.
بقلم: سليمان صالح (أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة)
المصدر: الجزيرة نت
موضوعات قد تهمك: