أحمد شيخون
لم تجتمع الموهبة الفذة والأخلاق العالية في لاعب كرة قدم محلي او عالمي بقدر ما أعطاهم الله لنجم مصري والمنتخب محمد أبو تريكة، ذلك اللاعب الذي تمكن من آسر قلوب عشاق الساحرة المستديرة طوال تاريخه الكروي الذي صال وجال في ملاعب العالم والدول العربية فعشقته القلوب قبل العقول ، وملك الأفئدة لدماثة خلقة وحبه للكرة التي أعطاها حياته التواضع ليصبح كامل الأوصاف معشوق الجماهير.
كانت الحياة الخشنة التي عاشها أبو تريكة سببا في إخراج المارد الكروي بداخله ، فلم تمنعه ظروف المعيشة الصعبة والعمل في أحد مصان الطوب الإسمنتي بحثا عن لقمة العيش الشريف حائلا دون ممارسة هوايته المفضلة في مركز شباب ناهيا، إحدى قرى محافظة الجيزة ، وأغرب ما في حكاية أبو تريكة أنه تفوق على أشقائه الذين يتمتعون بمهارة أفضل منه وكأن القدر أراد أن يمنحه فرصة ذهبية وبالفعل تمكن النجم محمد أبو تريكة من استغلال الفرصة.
يروى أبو تريكة أول مرة عرف الأندية ، عندما أصطحبه أحد شباب ناهيا ويدعى ” مجدي عابد” ، بعد موافقة والده الحاج محمد محمد أبو تريكة الذي كان يعمل موظفاً بهيئة تجميل ونظافة الجيزة ، وذهبا إلى نادي الترسانة ” الشواكيش” وقابل الكابتن الحملاوي المدير الفني لفريق تحت 14 سنة الذي طلب من الفتى استعراض مهارته بالكرة فقام الفتي ” بتنطيق” الكرة لأكثر من 150 مرة حتى صرخ الحملاوي وطالبه بإيقاف الكرة وقرر ضمه لفريق الناشئين ليعلن وقتها بزوغ نجم الشواكيش ومصر الجديد .
ولم يمض علي وجود تريكة في الشواكيش عامين حتى شاهده الكابتن رأفت مكي ، المدرب العام للشواكيش ” ليعجب به ويضمه للفريق الأول وعمره 17 عاما ، ليسطر لنفسه سطرا من النجاحات ويحصل علي شارة الكابتن وفوزه بلقب هداف البطولة برصيد 24 هدفا.
وخلال تلك الفترة تولى أنور سلامة تدريب المنتخب القومي وقام بضمه نظرا لارتفاع مستواه بالإضافة لقيام عبدالعزيز عبدالشافي المدير الفني للمنتخب الأوليمبي وقتها يضمه لصفوف فريقه وكان مثار إعجاب كل المدربين لحسن أخلاقه وإجادته في تدعيم فريقه بالفوز وتسجيل الأهداف الملعوبة.
ومع قدوم الجنرال الراحل تولى محمود الجوهري وتوليه تدريب المنتخب اختاره أيضا ضمن صفوف الفريق، واستمر أبوتريكة في الإبداع والتألق ولهذا خطط الأهلي لضمه لصفوف الشياطين الحمر حيث بدأ المفاوضات مع طاهر أبوزيد وتوقفت لظهور بعض العقبات لكن الكابتن محمود الخطيب نجح في القضاء عليها نظرا للحب المتبادل من أبوتريكة للخطيب والعكس.. وانتقل الساحر الصغير للقلعة الحمراء بدءا من موسم 2004/2005 ليدخل أبو تريكة بوابة العظماء من النادي الأهلي
مسيرة ناجحة:
استطاع الخلوق أبو تريكة منذ قدومه للأهلي أن يستحوذ علي عقول مشجعيه في الوطن العربي ، فمنذ العام 2003 وهو قادما من نادي الترسانة أثبت محمد ابو تريكة امكانياته العالية وقدراته الفنية والتهديفية مما جعل الجميع يشيد به.
فمنذ انضمامه للأهلي بات تريكة العقل المفكر والمحرك الاساسي للفريق وترمومتر الفريق ، فمع تحركه يظهر قوة الأهلي وهجومه الجارف ، فيبدع تريكة ويمتع ويحرز الاهداف وعندما ينخفض مستواه تشعر بأن شيء ما يفتقده الفريق .
حقق تريكة المعادلة الصعبة في عالم الساحرة المستديرة حيث جمع بين المهارة الفنية والقدرة التهديفية وحب الجماهير وإحراز الألقاب والبطولات، فاستحق منذ سنوات القاب عديد اطلقتها جماهير القلعة الحمراء والمعلقين الرياضيين من مختلف الدول العربية مثل ” الساحر – امير القلوب – الماجيكو – حلواني مصر – الفنان – تاجر السعادة – حبيب الملايين ” كما يطلق عليه المعلق التونسي الشهير عصام الشوالي لقب الهرم الرابع .
حقق أبو تريكة منذ موسم 2003-2004 اكثر من عشرين بطولة علي الصعيد الافريقي والمحلي للشياطين الحمر ، إضافة للوصول لمونديال الأندية أربع مرات وكان هداف البطولة عام 2006 حيث أحرز ثلاث أهداف مع الأهلي ساهمت في حصوله على برونزية المونديال.
كما سجل أبو تريكة العديد من الاهداف الهامة والحاسمة في مسيرتة الكروية سواء مع المنتخب المصري أو النادي الأهلي، منها هدفه في نهائي دوري أبطال أفريقيا أمام الصفاقسي التونسي في الوقت بدل الضائع والذي يعد هدف البطولة للنادي الأهلي, وهو صاحب هدف الفوز بكأس الأمم ألأفريقية لعام 2006 والتي أقيمت في مصر بإحرازه ضربة الترجيح الأخيرة والتي أعلنت فوز مصر بكأس أمم أفريقيا للمرة الخامسة في تاريخها، ويبقى هدفه الأشهر والاهم الذي احرزه في منتخب الكاميرون في نهائي بطولة الأمم الأفريقية في العام 2008م لتفوز مصر بالبطولة، وكان أبو تريكة قد أحرز في نفس البطولة ثلاث أهداف خلال مشوار المنتخب المصري في البطولة، ونتيجة لأدائه الراقي ودوره الفعال في إحراز منتخب بلاده للبطولة رشحه الاتحاد الأفريقي لنيل الكرة الذهبية لأحسن لاعب أفريقي لعام 2008.
استحق أبو تريكة أن يحصل علي لقب ” حبيب الملايين” إضافة للعديد من الجوائز علي جميع المستويات المحلية والافريقية والعربية والدولية منها .
افضل لاعب في الدوري المصري مرتين ولقب هداف الدوري مرة واحدة وهداف أفريقيا مرة واحدة، ورشح لجائزة أفضل لاعب أفريقي لعام2008 وحصل على المركز الثاني.
كما حصد جائزة افضل لاعب محلي مرتين في عامي 2006 و 2008 بينما حصل على لقب أفضل لاعب إفريقي 2008 في استفتاء جريدة المنتخب المغربية، وحصل على لقب أفضل لاعب عربي 2007 و 2008 على التوالي في استفتاء جريدة “الهداف” الجزائرية، ولقب أفضل لاعب عربي 2008 وأفضل لاعب إفريقي لعام 2009 في استفتاء مجلة “الهدف” الليبية.
واختارته هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي ) أفضل لاعب في افريقيا عام 2008 متفوقا علي العديد من اللاعبين الافارقة.
وحصل كذلك على لقب أفضل لاعب عربي 2008 في استفتاء مجلة “سوبر” الإماراتية، وحصل بالاجماع على لقب أفضل لاعب في الدوري المصري طوال الأعوام الأربعة الأخيرة.
وعلي الصعيد الدولي تم اختياره ضمن نخبة من لاعبي العالم لتشكيل ما يسمى “بمنتخب العالم” وذلك لأداء مباريات ودية يخصص دخلها للأعمال الخيرية تحت إشراف الأمم المتحدة وقامت الفيفا باختياره ضمن فريق منتخب القارات في بطولة كأس القارات 2009 بجنوب افريقيا ،كما حصل ابو تريكة علي أكثر لاعب شعبية في العالم حسب تصنيف الاتحاد العالمي لتاريخ وإحصاءات كرة القدم مرتين علي التوالي عام 2007م وعام 2008م ، ولم يكن عجباً أن يحتل أبو تريكة مكانا بارزا بين أفذاذ وعمالقة الكرة المصرية .
تواضع النجوم
ويشير أسامه أبو تريكة –الشقيق الأكبر لمحمد إلى تواضع أخيه فيقول: “لم تنل الشهرة من تواضعه بل على العكس، وأذكر أنه بعد أداء صلاه عيد الفطر الأخير، وكان معنا، جاءني رجل أعرفه وقال لي إنه يتمنى أن يصافح محمدا، ولكنه يخشى أن يتكبر عليه؛ فناديت على محمد وأخبرته بالأمر؛ فمشى إلى الرجل وعانقه معاتبا: كيف أتكبر على أهلي وأحبابي؟!”.
الغرور لا يعرف تريكة
ويضيف أسامة عندما عوتب المدير الفني للأهلي مانويل جوزيه على تدليله لـ”أبو تريكة”، وحذروه من أن ذلك قد يفسده، قال لهم إنه ليس من نوعية اللاعبين الذين يفسدهم التدليل، وإنه لاعب من طراز “أوروبي”، يعرف حقوقه وواجباته.
سر الرقم (22)
ويحكي أسامة قصة الفانلة رقم (22) التي يرتديها أبو تريكة؛ فيقول إنه عندما وقَّع العقد مع النادي الأهلي قبل 3 سنوات، سافر إلى السعودية لأداء العمرة، وذهب للمسجد النبوي وفي أثناء خروجه من باب مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم نظر أعلى الباب فوجد مكتوبا عليه رقم 22، فعندما عاد طلب من إدارة النادي إعطاءه الفانلة رقم 22.
موقف إنساني
اما الكابتن مصطفى الشاذلي ، نجم الشواكيش وأحد أعضاء نادي المائة هدف للدوري المصري ، فيحكي موقفاً مع تريكة قائلا: تحضرني واقعة حدثت بين أبو تريكة وزميله وصديقه أحمد زغلول؛ فعندما طالبت الكابتن حسن فريد -رئيس نادي الترسانة وقتها – بضرورة وضع عقدين مختلفين للاعبين أحدهما لأبو تريكة يقضي بحصوله على مبلغ 60 ألف جنيه مصري (11 ألف دولار أمريكي) عن الموسم الواحد ولمدة 5 مواسم يزاد بمقدار 10 آلاف جنيه كل عام، بينما ينال زميله زغلول نصف المبلغ سنويا مع وجود نفس الزيادة؛ إلا أن حب أبو تريكة لزميله جعله يرفض التوقيع على هذا العقد بهذه الصيغة، وطالب بمساواته مع زميله ليصبح عقدهما بـ30 ألفا مع الزيادة، وعندما أرشدته إلى وجود فارق بين رأس الحربة والمدافع، رفض وأصر على المساواة!!.
وفي مرة أخرى والكلام للشاذلي ، أعطانا رئيس النادي سلفة 10 آلاف جنيه لتوزيعها على اللاعبين، ونظرا لكثرتهم لم تكف إلا ثلاثة منهم فقط، فما كان من أبو تريكة -رغم ظروفه المادية المتعثرة وقتها- إلا أن رفض أخذ السلفة وتركها لزملائه؛ لأنه رأى أنهم يستحقونها أكثر منه.. هذا هو سر نجاحه وحب الناس له”.
سبّاق إلى الخير
أما النجم حازم إمام ، عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لكرة القدم ، فيقول : كان تريكة سباقاً للخير ، حيث يزور جمعيات الأيتام باستمرار ويداوم على الالتحام بالأطفال ويداعبهم ويتقرب إليهم، إضافة إلى قيامه من آن لآخر بزيارة مستشفى السرطان الجديد، بل الأكثر من ذلك هو قيامه بالتبرع المادي من إحدى مكافآته التي حصل عليها لصالح المستشفى”.
نجم خلوق
ويرى جمال الغندور، رئيس لجنة الحكام المصرية السابق ، أن كل ما وصل إليه أبو تريكة إلى توفيق الله ورضائه عنه، ويدلل على رقيّ أخلاقه قائلا: “إنه لاعب كرة من طراز فريد؛ فهو ليس جزارًا في الملعب، ولا يمثل دور الضحية لتحسب لفريقه قرارات غير صحيحة ضد الفريق المنافس؛ ولذلك فإنه يستحق لقب اللاعب النظيف”.
ورغم كل اللقطات التي مرت بشريط حياة الماجيكو إلا أن أهم لقطة في حياته هو عدم قدرته علي وداع والده عند وفاته حيث كان في قطر وممنوع من دخول مصر فلم يتمالك نفسه واسترجع لله معزياً نفسه علي دفن والده دون وجوده وهو الذي كان يعتبره قدوته في الدنيا حتى انه قال في إحدى تغريداته : ” تعلمت منه الكثير فقدت قدوتى فى الكفاح والعمل، رحم الله والدى وغفر له وأسكنه فسيح جناته”.