استقراء اللغة العربية فريضة غائبة

محمود زين الدين6 سبتمبر 2021آخر تحديث :
اللغة العربية

كيف يمكن تطويع المنهج الاستقرائي لدراسة اللغة العربية دراسة استقرائية؟

العرب أهل اللغة وسدنتها إلى يوم القيامة وهم في نفس الوقت سدنة القرآن وأهله وحملته في كل زمان ومكان.

هل يمكن استقراء اللغة العربية؟ الإجابة العلمية الصحيحة هي أنه مادمنا نستطيع أن نستقرئ القرآن الكريم فإن من الممكن استقراء لغته.

منهج الاستقراء منهج إلهي ومن ثم يمكن الاستفادة به لدراسة لغة اختارها الله سبحانه لتوصل رسالته الإلهية للناس لكن استقراء اللغة العربية ليس تطويرها أو عصرنتها.

اكتشاف كيفية حدوث تجاوب اللغة العربية مع تجاوب القرآن الكريم لكل العصور أمر واجب لاكتشاف قدرة الله الذي دعانا لننظر في كونه وفي الافاق وفي أنفسنا.

* * *

بقلم: محمد السعيد عبدالمؤمن

استقراء اللغة العربية تَحدُّثٌ بنعمة الله {وأما بنعمة ربك فحدث}، لأنه استخراج ما بها من كنوز، ليس من النوع البراق الجامد، بل كنوز التطور الحقيقي الذي يجعل من هذه اللغة أعظم وأكبر وأشمل وأفيد لغات العالم، ومن ثم الاستفادة بهذه الكنوز.

ومن ثم فاكتشاف كيفية حدوث تجاوب اللغة العربية مع تجاوب القرآن الكريم لكل العصور، أمر واجب لاكتشاف قدرة الله العظيم، وهو الذي دعانا لننظر في كونه وخلقه وفي آياته، في الافاق وفي أنفسنا، ومنها لساننا.
إن استقراء اللغة العربية يوضح أسباب افتخار الرسول الكريم عليه السلام بها، وحبه لها (أحب العربية لثلاث لأني عربي ولأن القرآن عربي ولأن لسان أهل الجنة في الجنة عربي).

عظَّم الله من قدر اللغة العربية بأن اختارها لغة آخر رسالاته، وعظَّم العرب إذ اختارهم حملة لآخر رسالاته، كما عظَّمهم بأن نسب لغة آخر رسالاته إليهم، وهو ما يجعلنا ندرك أن العرب وحدهم هم من يملكون القدرة على استقراء اللغة العربية، والكشف عن كنوزها، والاستفادة بها حتى يوم القيامة، باعتبارها خالدة إلى ما بعد القيامة، وحتى زمن الجنة الخالدة. من ثم فالعرب أهل اللغة وسدنتها إلى يوم القيامة، وهم في نفس الوقت سدنة القرآن وأهله وحملته في كل زمان ومكان.

المشكلة الآن أن أهل القرآن الكريم ناقلون تقليديون، ومن ثم فأهل اللغة العربية ناقلون تقليديون، وهذا معناه أن أهل القرآن قصروا في حق القرآن، وأن أهل اللغة العربية قصروا في حق اللغة العربية، فقد أصبح القرآن غريبا بين المسلمين، كما أصبحت اللغة العربية مرتعا للرعاع يفعلون بها ما يشاءون باسم العامية!

إن ما يخرجه أصحاب الفهلوة من تعبيرات أو ألفاظ يسمونها أحيانا لغة الشباب، أو لغة العصر، وتروج لها أجهزة الإعلام والسينما هو ابتعاد عن لغة القرآن الكريم التي هي اللغة العربية الحقيقية والصحيحة، وهم بابتعادهم عن لغة القرآن يبتعدون عن القرآن والدين!

فيا أهل الفسق عن اللغة والقرآن اعلموا أن اللغة العربية ليست قابلة للتلاعب أو العبث أو التطوير العصري المفتعل، لأنها لغة خالدة حملت في طياتها منهج التعامل مع كل العصور وكل الأزمنة وكل الظروف.

إن إخراج القرآن من غربته منوط باستقراء أهل القرآن له، وعرضهم المفاهيم الغائبة على المسلمين لكل الناس عربا وعجما، ومن ثم فإن إنقاذ اللغة العربية من أيدي العابثين بها منوط باستقراء أهل اللغة العربية لها، وتنبيه العرب إلى أبعادها الواسعة، وتعليمها غير العرب. وعلى هذا فاستقراء القرآن كما استقراء اللغة العربية فريضة غائبة.

هنا ينبغي أن نطرح بعض الأسئلة:

أولا: هل يمكن استقراء اللغة العربية؟ الإجابة العلمية الصحيحة هي أنه مادمنا نستطيع أن نستقرئ القرآن الكريم، فإن من الممكن استقراء لغته.

ثانيا: كيف يمكن تطويع المنهج الاستقرائي لدراسة اللغة العربية دراسة استقرائية؟ الإجابة العلمية الصحيحة، أن منهج الاستقراء منهج إلهي، ومن ثم يمكن الاستفادة منه لدراسة اللغة التي اختارها الله سبحانه لتوصل رسالته الإلهية للناس. لكن استقراء اللغة العربية ليس معناه تطويرها، أو جعلها معاصرة أو مستقبلية، فهي خالدة.

لقد كانت خواطر الإمام العظيم الشيخ محمد متولي الشعراوي، أول ما نفض الغبار عن استقراء اللغة العربية في تفسيره لآيات القرآن الكريم من خلالها للجميع، مثقفين وبسطاء، من منفذ إعجاز اللغة العربية، فسعى لاستقرائها، ولكنه كان يركز في هذا الاستقراء على جوانب الأسلوب في توضيح المعنى القرآني، وهو جهد مشكور واجتهاد محمود.

ثالثا: ما الهدف من دراسة اللغة العربية دراسة استقرائية؟

أولا: اكتشاف أبعاد جديدة للغة العربية، وكيفية الاستفادة منها في دعم كيان اللغة إلى أقصى حد، وإيجاد عناصر حياتها وتكاملها.

ثانيا: الوقوف على كيفية الاستفادة من الحجم الاشتقاقي للغة في مجال الكلمات والمصطلحات الجديدة، وإثراء الجملة العربية.

ثالثا: الوقوف على كيفية تطوير التعريب للكلمات الأجنبية الجديدة، وتقريبها من الذوق والأوزان العربية، بحيث يشعر العربي عند نطقها كأنها كلمة عربية، أو استبدالها بنظير عربي.

رابعا: الوقوف على كيفية التعامل مع العامية وإخضاعها للغة الفصحى، في مجالات اتساعها.

خامسا: الوقوف على كيفية تنقية اللغة بالابتعاد عن الكلمات المصطنعة التي ليس لها أصل أو جذر عربي، وعدم إدخال الكلمات المصطنعة إلى اللغة.

سادسا: معرفة دور وموقع المجمع اللغوي من استقراء اللغة، وتطوير فلسفته ونشاطه.
سابعا: الوقوف على كيفية استثمار استقراء اللغة في ضبط النظرية الثقافية، وتوحيد الخطاب الثقافي والحضاري والديني.

ثامنا: استقراء تداعيات لغة القرآن على اللغة المعاصرة.

تاسعا: دراسة تحدیات استقراء اللغة العربية.

سوف نتحدث عن كيفية الاستقراء في اللغة العربية، وخطة الدراسة وآليات الدراسة، ونظرية الدراسة وتطبيق أهدافها، في مقال قادم إن شاء الله.

لكننا سوف نقدم نموذجا لدراسة قواعد اللغة العربية دراسة استقرائية:

من خلال هذا النموذج يمكن أن ندرك القيم السماوية التي تقوم عليها قواعد اللغة العربية استواء وعدلا وحقا، ففي الاستقراء الفكري لقواعد الجملة العربية يكون الفاعل مقدما مرفوعا بغض النظر عن كونه كبيرا أو صغيرا غنيا أو فقيرا، عظيما أو حقيرا، إنسانا أو حيوانا، أو كائنا ما كان. فللفاعل حق التقدير إزاء ما يقوم به ويقدم عليه من عمل، ويكون تقديره غير مستتر، ويرفع بالضمة، ومعنى الضمة هو المحبة والاحترام والتقدير، كما أن له نائب فاعل يحظى بنفس المكانة.

أما المفعول به فهو تالي منصوب منحني الرأس دليل على استسلامه وخنوعه، وعلامة نصبه الفتحة التي يمكن أن ترمز إلى فتح يعود به إلى الفعل.

أما المضاف فهو مجرور أخير تابع لمن يجره، وعلامة جره الكسرة، وترمز إلى انكسار الخاطر ومذلة المجرور.
الاستقراء في قواعد اللغة العربية يشير إلى أن اللغة العربية لغة قيم ومثل، هي نفسها قيم القرآن الكريم ومثله، فالشكل فيها مرتبط ارتباطا وثيقا بالمعنى والمفهوم، باعتبارها قواعد أي أسسا تقوم عليها اللغة، ويؤمن بها أصحاب هذه اللغة، ويعملون بها فهي سبيلهم للارتقاء في الجنة، حيث يطلب منهم أن يقرأوا فيرتقوا!

هل علمتم يا علماء اللغة العربية كم نحن مقصرون في حق لغتنا لغة القرآن ولغة الجنة، وكم نحن مقصرون في حق أنفسنا نحن العرب في إضاعة ما امتن علينا به الله من دون البشر! وجعلنا سدنة كتاب خاتم خالد ولغة قيمة خالدة، ودينا قيما ملة الإسلام العظيم!

ألا هل بلغت اللهم فاشهد.

* د. محمد السعيد عبد المؤمن أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس

المصدر| محمد السعيد عبدالمؤمن

موضوعات تهمك:

أزمات القيم في الحاضر العربي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة