- رفض جيش باكستان الانحياز لطرف بأزمة الخليج رغم ضغوط السعودية عليها للمشاركة في حصار قطر.
- اتفاقيات الدفاع الناجحة مع روسيا وتركيا والصين منحت باكستان ثقة أكبر مقارنة بالتسعينيات.
- نجاح باكستان في التوازن بين تركيا وإيران والسعودية يعني استمرار سعي الدبلوماسية السعودية والإيرانية لكسب إسلام آباد.
باكستان في الواجهة من جديد في ظلال الصراع السعودي الإيراني
بقلم: كمال علم
منذ انتخاب عمران خان في منصب رئيس الوزراء الثاني والعشرين لباكستان، تواترت الزيارات الدبلوماسية المحتدمة بين طهران والرياض وإسلام أباد. في الواقع، لا يعتبر اهتمام السعوديين والإيرانيين بباكستان أمرا جديدا، حيث انخرطت كل من طهران والرياض في منافسة على امتداد عقود طويلة للتأثير على باكستان.
وتأتي رغبة كلا الدولتين الحثيثة للتقرب من الزعيم الباكستاني الجديد في وقت لا تملك فيه كل من طهران والرياض بيدقا سياسيا في إسلام آباد يمكنهم التلاعب به، وذلك لأول مرة في تاريخ علاقاتهم. وأكد الجيش الباكستاني، بقيادة رئيس أركان الجيش الحالي، الجنرال قمر جاويد باجوا، الذي تم تعيينه سنة 2016، أن باكستان تواصل دعمها لدول مجلس التعاون الخليجي، ولكن دون المساس بعلاقتها مع إيران.
«عقيدة باجوا»
في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، أصبح الجنرال باجوا أول قائد للجيش الباكستاني يؤدي زيارة رسمية إلى إيران منذ أكثر من 30 سنة. وقد وصفت وسائل الإعلام الإيرانية الزيارة “بالتاريخية”.
فيما مضى، سافر رؤساء الجيش السابقون، كما الجنرال رحيل شريف وبرويز مشرف، إلى طهران لكن ليس في زيارة عسكرية رسمية. لطالما سيطر الجيش الباكستاني على خيوط اللعبة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الاستراتيجية الباكستانية.
رغم أن باجوا أكد للسعوديين أن جيش باكستان سيدافع عن السعودية من أي عدوان خارجي، إلا أنه، مع ذلك، تبنى موقفا محايدا من أزمة قطر عندما فرضت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب البحرين ومصر، حصارًا على الإمارة الصغيرة في حزيران/ يونيو سنة 2017
في الحقيقة، نجح الجنرال باجوا في إصلاح العلاقات مع إيران خلال السنتين اللتين تولى فيها رئاسة أركان الجيش، في حين تمكن من كسب ودّ الإمارات وجعلها تقف في صف باكستان.
وتجدر الإشارة إلى أنه قبل تولي باجوا هذا المنصب الحساس، كانت العلاقات بين الإمارات وباكستان باردة للغاية، بسبب رفض إسلام آباد إرسال قواتها إلى اليمن كجزء من الجهود العسكرية التي تقودها المملكة العربية السعودية.
رغم أن باجوا أكد للسعوديين أن جيش باكستان سيدافع عن السعودية من أي عدوان خارجي، إلا أنه، تبنى موقفا محايدا من أزمة قطر عندما فرضت السعودية والإمارات، بجانب البحرين ومصر، حصارًا على الإمارة الصغيرة في حزيران/ يونيو 2017.
بعبارة أخرى، جعل الجنرال باجوا السعوديين يدركون أن الجيش الباكستاني لن ينحاز إلى أي طرف في الأزمة الخليجية، رغم الضغوط الكبيرة التي سلطها السعوديون على باكستان للمشاركة في الحصار على قطر.
بدلاً من ذلك، وفي رسالة واضحة للسعودية، عمدت إسلام آباد إلى زيادة حجم تجارتها مع الدوحة منذ إعلان الحصار.
من جانب آخر، يسعى القطريون لكسب دعم الجيش الباكستاني من أجل تأمين كأس العالم المقرر إجراؤه سنة 2022 في الدوحة. تحت قيادة الجنرال باجوا، سعى الجيش الباكستاني لتقديم الدعم الكامل لقطر، وتزويد الدوحة بأحدث طائراته المقاتلة، جاي إف-17 ثندر، التي تم تصنيعها بشكل مشترك مع الصين.
بناء على ما أنف ذكره، تحيل “عقيدة باجوا” في الشرق الأوسط إلى أن الجيش الباكستاني يمكن أن يمد يد المساعدة للقوى الإقليمية بشكل متساوي، دون أن ينحاز إلى أي جانب، كما أنه لا يتوانى عن لعب دور الوساطة، إذا ما استدعى الأمر ذلك.
في أول خطاب له حول السياسة الخارجية لباكستان، قال عمران خان إنه يود أن تلعب باكستان دورا قياديا في التوسط ين الرياض وطهران لإيجاد حل للنزاع في الشرق الأوسط.
لا أسياد أجانب أو تحالفات
كان السعوديون يعتبرون رئيس الوزراء السابق، نواز شريف بمثابة دمية يتحكمون بها، بينما كانوا يعتبرون سلفه، آصف علي زرداري، خاضعا لسطوة إيران.
ومع تولي عمران خان منصب رئيس وزراء باكستان، وقع الاستغناء عن نظام حكم الحزبين الذي استمر على مدى أربعة عقود. وخلافا لبوتو، وزرداري، وشريف، لم يكن خان رهينة أي أطراف أجنبية متحكمة فيه أو تحالفات خارجية.
تجدر الإشارة إلى أن خان اتخذ خطوة غير مسبوقة حين رفض طلب سعودي بالعفو عن نواز شريف وإرساله إلى الرياض. في الوقت نفسه، والتزاماً بقواعد الجيش الباكستاني، تواصل خان مع إيران، وعقد اجتماعات علنية مع السفير الإيراني لطمأنة طهران بأن باكستان وإيران تجمعهما علاقة أخوة.
وكان وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، أول مسؤول أجنبي يزور خان، في حين قبل رئيس الوزراء الباكستاني أيضا دعوة لتأدية زيارة رسمية إلى طهران.
لدى باكستان الآن قائد مدني يعمل في تناغم مع الجيش، مما يصعب على كل من السعودية وإيران مهمة ابتزاز إسلام آباد، من خلال الحوافز المالية من براميل النفط المجانية أو خط أنابيب يمرُّ عبر الصحراء.
خلال الشهر الماضي، التقى خان بالزعماء الدينيين الشيعة البارزين في باكستان لطمأنتهم، بشأن مساعيه لتحقيق التوازن على مستوى العلاقات الباكستانية مع كل من السعودية وإيران. وشدد خان على أن باكستان لطالما وقفت في صف إيران ضد العقوبات الأمريكية والضغوط المسلطة على طهران. بعد فترة قصيرة من تولي خان السلطة، وافق السعوديون بشكل رسمي على منح باكستان قرضاً عبر البنك الإسلامي للتنمية. كما سارعوا إلى إرسال وزير إعلامهم لإسلام آباد محملا بدعوة مباشرة لزيارة الرياض. فضلا عن ذلك، تعهد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان ببعث استثمارات ضخمة في باكستان.
شرق أوسط يعاني من التفكك
يعد بروس ريدل، المستشار السابق للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وخبير سابق في وكالة المخابرات المركزية، مراقباً دائما للمحور الباكستاني السعودي الأمريكي.
وهو يجادل منذ أكثر من عقد من الزمان بأن السعوديين يعتبرون باكستان محورا أساسيا لتحقيق أمنهم الخاص، وبالتالي لا يمكن للسعوديين المجازفة بخسارة باكستان على اعتبارها شريكا استراتيجيا.
ويتوافق هذا الرأي مع رؤية الرئيس السابق للمخابرات السعودية، الأمير تركي بن فيصل، المثيرة للاهتمام، حيث قال بثقة إن الجيش الباكستاني هو صانع القرار النهائي في البلاد، وينبغي على السياسيين الباكستانيين “أن يوحدوا صفوفهم فيما يتعلق بالمسائل المهمة”. ويُرجح أن ساسة باكستان قد نجحوا الآن في تحقيق ذلك، الأمر الذي أثار مخاوف السعوديين.
في الواقع، لدى باكستان الآن قائد مدني يعمل في تناغم مع الجيش، مما يصعب على كل من السعودية وإيران مهمة ابتزاز إسلام آباد، من خلال الحوافز المالية من براميل النفط المجانية أو خط أنابيب يمرُّ عبر الصحراء. ويعد هذا الأمر السبب الرئيسي وراء سعي كل من السعودية وإيران للتودد إلى عمران خان.
ولتبين مظاهر سياسة خان الحيادية، يمكن مراقبة أداء الجيش الباكستاني في حربه الخاصة على الإرهاب. فمن الحقائق المعترف بها على نطاق واسع، نجاح الجيش الباكستاني في الفوز بوضوح في معركته ضد المتمردين الإرهابيين الذين كانوا يسيطرون على شمال غرب باكستان.
للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، استطاع الجيش الباكستاني الوصول إلى ما وراء حدوده وذلك نتيجة العمليات التي نفذها على الحدود الأفغانية.
ساهمت اتفاقيات الدفاع الناجحة مع كل من روسيا وتركيا والصين، في تحلي باكستان بثقة أكبر مقارنة بتسعينيات القرن الماضي أو في أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 من أيلول/ سبتمبر.
من جانب آخر، لعبت باكستان أيضا دورا محوريا في مساعدة الجيش العراقي على هزيمة تنظيم الدولة. وفي بيان علني نادر، شكرت بغداد باكستان على مساعدتها في محاربة الإرهاب في العراق.
في سوريا، تمسكت باكستان بشدة بموقفها المحايد، مما جعلها العضو الوحيد في منظمة التعاون الإسلامي الذي لم ينحز إلى طرف ما في الحرب.
في الوقت نفسه، تحالفت إسلام آباد عسكريا مع جميع الدول الرئيسية المتدخلة، أي تركيا وإيران والسعودية. يعني نجاح باكستان في تحقيق التوازن بين الأطراف الثلاثة، أن سعي الدبلوماسيين السعوديين والإيرانيين الجنوني لكسب ود إسلام آباد سيستمر.
فمن الواضح أن كلا البلدين يطمحان لكسب دعم باكستان العسكري والدبلوماسي للتوسط في عدد لا يحصى من الصراعات التي تدور رحاها في أنحاء المنطقة.
المصدر: «ميدل إيست آي» – ترجمة «نون بوست»