مليارديرات كبار كانوا ملء السمع والبصر أفلسوا بين ليلة وضحاها ليضحوا من المشردين بعد أن كانوا من أصحاب الياقات البيضاء.
حي لا يعرف سوى لغة المال والأعمال وناطحات السحاب ومقار البنوك والشركات الكبرى وأرصدة مرتاديه تبدأ بملايين الدولارات وربما مليارات.
الثور الهائج يرمز لرأسمالية متوحشة وثراء فاحش لقلة من الأثرياء على حساب مئات الملايين وتحقيقهم أرباحا سريعة وضخمة من المضاربات دون مجهود.
تمثالان وسط الشارعين المحيطين لحي المال: فتاة يطلق عليها في نيويورك “الفتاة الشجاعة” مقابل ثور وول ستريت البرونزي الضخم الهائج خلف البورصة مباشرة.
الرأسمالية المتوحشة والنيوليبرالية تدهس الفقراء ولا تعرف إلا قنص الصفقات وتقف الفتاة الشجاعة في وسط الشارع لتذكر بوحشية ممارسات المترددين على البورصة.
* * *
بقلم: مصطفى عبدالسلام
من الصعب أن تزور مدينة نيويورك، مركز المال والأعمال في العالم، ولا تتجول في حي “وول ستريت” المالي العريق الذي يضم أكبر وأشهر وأقوى بورصة وسوق مال في العالم.
فالحي الواقع في المنطقة الماليَّة بمنهاتن هو مقر كبار المضاربين والمتعاملين في الولايات المتحدة، ووجهة ما يُطلق عليهم حيتان المال والثروات وقناصي الصفقات وكبار الأثرياء والمليارديرات.
حي لا يعرف سوى لغة المال والبزنس وناطحات السحاب ومقار البنوك والشركات الكبرى، وأرصدة مرتاديه تبدأ بملايين الدولارات وربما المليارات.
حي يرفع من يشاء من المستثمرين والمضاربين، وفي المقابل يذل أعناق مليارديرات كبار كانوا ملء السمع والبصر، ثم أفلسوا بين ليلة وضحاها ليضحوا من المشردين بعد أن كانوا من أصحاب الياقات البيضاء.
حي خلق شعبية جارفة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حينما قفزت أسعار الأسهم في السنوات الثلاث الأولى من فترة حكمه التي شهدت نجاحات اقتصادية ملحوظة وخلقت فرص عمل وضخ استثمارات ضخمة وازدادت أرباح الشركات ومعها أسعار أسهمها وأرصدة حائزيها في البنوك.
لكن في السنة الأخيرة كشر الحي المالي عن أنيابه لترامب الذي راهن على أن يكون طريقه للفوز بدورة رئاسية ثانية وسهلة.
فإذا بالحي يقضي على حلمه وربما مستقبله السياسي بعدما ألحق وباء كورونا خسائر فادحة بالأثرياء أصحاب الأسهم والمصانع والشركات الكبرى الذين طردوا العمالة لتقليل الخسائر ورفعوا معدل البطالة، وهو ما أثر سلبا على شعبية ترامب.
وأنت تتجول في شوارع حي وول ستريت لا ترى سوى أبراج شاهقة بناها أصحابها ربما لإظهار مدى الثراء الفاحش، أبراج لا تعرف لغة بداخلها سوى الأرقام والمكاسب والخسائر، ولمَ لا، فهي تحوي أكبر سوقيّ أسهم في العالم، وأكبر بورصتين من حيث القيمة السوقيَّة، هما بورصتي نيويورك وناسداك.
كما توجد بمنطقة وول ستريت العديد من المصارف التجارية وبنوك الاستثمار وشركات الوساطة الماليَّة والسمسرة وإدارة صناديق الاستثمار ورأس المال المخاطر وغيرها، أضافة إلى عقارات مملوكة لترامب ومقرَّات أسواق ماليَّة أخرى وبعضها ما زال قائمًا حتَّى الآن، مثل بورصة
نيويورك التجاريَّة، ومجلس نيويورك للتجارة، وبورصة نيويورك الآجلة، والبورصة الأميركية المنحلة.
وأنت تتجول في محيط “حي وول ستريت” يلفت نظرك وجود تمثالين يقفان في وسط الشارعين المحيطين للحي المالي، الأول لفتاة يطلق عليها الجميع في نيويورك “الفتاة الشجاعة” في مقابل ثور وول ستريت البرونزي الضخم الهائج الذي يقع خلف البورصة مباشرة.
الفتاة تقف أمام مقر مبنى بورصة وول ستريت مباشرة، شامخة قوية تظهر ملامحها التحدي وتضع قبضتيها على خصرها ويلتف حولها السياح لالتقاط الصور، فتاة تنظر باستعلاء وتحد للثور الهائج الذي يرمز لهؤلاء المضاربين الذين يتحكمون في أكبر بورصات العالم، وربما أراد من صممه إظهار القوة الاقتصادية للولايات المتحدة.
لكن الحقيقة فإن الثور الهائج يرمز لكل ما يمثله حي وول ستريت من رأسمالية متوحشة وثراء فاحش لقلة من الأثرياء على حساب مئات الملايين من المواطنين، ويجسد لغة تحقيق هؤلاء أرباحا سريعة وضخمة من المضاربات دون أي مجهود.
وول ستريت حي يعبر عن طبقة أصحاب المصالح الماليَّة ليس فقط في نيويورك أو الولايات المتحدة، بل في كل دول العالم، طبقة تحمل قلوباً حديدية لا تعرف الرحمة ولم تجرب الجوع والتشرد من قبل.
ببساطة، عندما تنهي جولتك في “وول ستريت” لا تخرج إلا بشعور واحد هو أنها رمز الرأسمالية المتوحشة والنيوليبرالية حول العالم التي تدهس الفقراء كل يوم ولا تعرف سوى قنص الصفقات، وربما تقف الفتاة الشجاعة في وسط الشارع لتذكر الجميع بوحشية ممارسات المترددين على مقر بورصة نيويورك الذين يرفعون شعار “أنا وثروتي ومن بعدي الطوفان”.
* مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي
المصدر: العربي الجديد
موضوعات تهمك: