إذا كانت تركيا قد اتجهت شرقاً إلى العالم الإسلامى بعد صدها من الدخول عضواً فى الاتحاد الأوروبى نظراً لاختلاف الدين والثقافة والتاريخ، فإن إيران قد اتجهت غرباً نحو العالم العربى بعد أن عادتها الولايات المتحدة خوفاً من امتلاكها السلاح النووى، وعداوتها لإسرائيل، وبقايا أيديولوجية الثورة الإسلامية فى 1979. وخافت معظم الدول العربية من الأيديولوجية الثورية الإسلامية فانكمشت على نفسها، ووضعت عدة حواجز بينها وبين إيران حتى لا تنقل إلى الوطن العربى محمولة على أكتاف الجماعات الإسلامية العربية. ومن نماذج التشويه عندما اتهم الرئيس المصرى فى ذلك الوقت الإمام الخمينى بأنه يقول «الله أكبر الخمينى أكبر»، وهو لا يعرف الفارسية، وهى «الله أكبر الخمينى هربر» أى القائد أو الزعيم، كما تم التشويه عن طريق رغبة الشيعة فى السيطرة على السنة، ونشر التشيع فى مصر من الخليج العربى. واعتمد التشويه على الصراع التاريخى التقليدى بين السنة والشيعة منذ العصر الأموى حتى الآن.
وعندما تقوى الدولة بعد الثورة فإنها تتمدد بطبيعتها خارج حدودها. ولما كانت حدود إيران الشرقية تشارك فى نفس الأيديولوجية الثورية الإسلامية مثل أفغانستان، والجبهة الغربية العربية ضعيفة تحكمها نظم مستبدة أقامت معاهدة سلام مع إسرائيل قبل أن تنسحب من الأراضى العربية المحتلة منذ يونيو 1967، فإنها اتجهت غرباً نحو الوطن العربى من الخليج إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن. وظنه العرب احتلال أربع عواصم عربية: بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء. وقد كانت إيران تمد يدها إلى الوطن العربى فلم يقابلها أحد بالسلام. وتركها تسقط، وكأن المسلمين ليسوا أمة واحدة، خيرها من بدأ بالسلام، فامتدت إيران غرباً، وهى الجبهة العربية الضعيفة، وهو ما سميناه الاحتلال الإيرانى للوطن العربى، ونشر التشيع وسط أهل السنة، كما اختلف فى هوية الأهواز، عرب أم شيعة، وشيعة الخليج عرب أم شيعة؟ والآن فى مرحلة الصراع الطائفى اشتد التمايز بين السنة والشيعة. كل فريق له قوته. داعش لأهل السنة، وحزب الله للشيعة. واشتد الصراع الطائفى حتى فى اليمن المعروف بوحدته الطائفية بين الزيدية والشوافع، والزيدية أقرب إلى السنة منهم إلى الشيعة.
والتشيع مازال فى قلوب المصريين ممثلاً فى حب آل البيت، الحسن والحسين وفاطمة وزينب. وقد بنى الأزهر لنشر التشيع قبل أن يتحول إلى مركز دعوة لأهل السنة. وكتب عبدالرحمن الشرقاوى «الحسين ثائراً» و«الحسين شهيداً». ونقد الإمام الخمينى فى «جهاد النفس أو الجهاد الأكبر» ما يفعله الشيعة حتى الآن فى كربلاء: جلد الظهور وجرحها بالسيوف والبكاء والعويل للنساء. والتشيع يعنى محاربة الظلم دفاعاً عن العدل والشورى كما فعل الحسين ضد يزيد.
لقد كانت مصر وإيران على وفاق فى العصر الملكى، بل إن الشاه قد تزوَّج الملكة فريدة، وناسب الملك فاروق، بل إنه بعد الثورة الإسلامية لم يجد مكاناً يدفن فيه بعد أن ظل طائراً فى السماء إلا مصر. وعندما أمَّم مصدق البترول الإيرانى وهرب الشاه صرح أنه تعلم ذلك من عبدالناصر، التأميم والاشتراكية. وكان عبدالناصر يؤيد الثوار الإيرانيين مثل «مجاهدى خلق»، بل يمدهم بالسلاح عن طريق بغداد. وانتشر الأدب الفارسى فى مصر، وترجمت الشاهنامة للفردوسى وأشعار جلال الدين الرومى، وغنت أم كلثوم عمر الخيام، ونظم محمد إقبال بعض دواوينه بالفارسية، ومازالت اللغة تحافظ على حروفها العربية، ولم تتحول إلى حروف لاتينية مثل التركية بعد ثورة مصطفى كمال. والتصوف الإسلامى فى إيران له مكانته فى التراث الإسلامى. وكان معظم الفلاسفة قديماً من فارس مثل ابن سينا. وعندما قامت الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 كان وجدان الشعب العربى معها لأنها كانت معادية لأمريكا وإسرائيل بينما نحن تحالفنا مع أمريكا، وأقمنا معاهدة سلام مع إسرائيل قبل أن تنسحب من جميع الأراضى المحتلة فى يونيو 1967.
والآن ينشأ تحالف إسلامى أمريكى وناتو عربى لمحاصرة إيران باعتبارها خطراً يهدد السلام فى العالم بما تحاوله من امتلاك صواريخ بعيدة المدى وسلاح نووى. وإسرائيل جزء خفى فى هذا الحلف الجديد. تحول الصديق التاريخى (إيران) إلى عدو، وتحول العدو التاريخى (إسرائيل وأمريكا) إلى صديق. ومصر فى حاجة إلى النفط الإيرانى كبديل محتمل للنفط العربى إذا ما تعكرت الأجواء بين مصر والسعودية، وهى أيضاً فى حاجة إلى إيران لتعوضها عن السلاح النووى الذى تمتلكه إسرائيل.
والمطلوب هو نسيان التاريخ، الصراع بين السنة والشيعة؛ فهذا تاريخ مضى، كان الصراع فيه سياسياً على السلطة. والآن الصراع بين الحرية والاستبداد، بين الفقر والغنى، بين الاستقلال والتبعية. إن من مصلحة الجميع فتح الحدود بين مصر وتركيا وإيران؛ فالأقربون أولى بالمعروف، وهو تجمع سكانى كبير يبلغ حوالى مائتين وخمسين مليوناً. ووراء مصر مثلهم من العرب. فهو تجمُّع سكانى يفوق الخمسمائة مليون بإمكانياتهم الزراعية والصناعية والموارد الأولية. هناك الأرض والمياه والموارد الطبيعية والبشر، العقول والسواعد. تجمُّع يفوق التجمُّع الأمريكى والتجمُّع الروسى.
تلك رؤية مستقبلية تنقذ العرب من الصراعات الطائفية والعرقية والقبلية، وكما قال طارق بن زياد «البحر أمامكم والعدو خلفكم» فسيروا على بركة الله