أحمد شيخون
يعيش العالم كل عام فرحة مزيفة تحت شعار “يوم المرأة العالمي ” وتخرج المحطات المتلفزة والشخصيات العالمية للإشادة بالمرأة ودورها في المجتمع، وكأنَّ المرأة لم تأخذ حقها إلا عبر البوابة الغربية، وعبثًا حاول المتحدثون إضفاء صفات ومكاسب وهمية للمرأة حصلت عليها من الديمقراطية الغربية في الوقت الذي نسوا أنَّ الإسلام كرَّمها وأعطاها مكانتها التي تستحقها منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، ولم يكن الإسلام يومًا ظالما للمرأة أو مضيعًا لحقوقها.
ولا عجب أن تتوقف عجلة الزمن مرة كل عام في إطار احتفالات يوم المرأة العالمي؛ ليراجع الغرب كمّ الإنجازات التي حققتها المرأة في العام المنصرم وما يجب تحقيقه مستقبلا.
ورغم أنَّ العقود المختلفة الماضية شهدت اهتمامًا متزايدًا بالحديث عن حقوق المرأة، كما حملت الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية شعارات لتمكين المرأة، ودعوات لتحريرها ومساواتها بالرجل؛ إلا أنَّ هذه الحملات المسعورة تارةً والمأجورة تارةً أخرى لم تُلحق بالإسلام ضررًا في هذه القضية لأنَّ الإسلام كان ولا يزال المدافع الأول عن المرأة والتي مكَّنها من اعتلاء المناصب وأعطاها حقوقًا ربما فاقت حقوق الرجال في بعض المناسبات.
فالأزمة عند الغربيين أنهم لا يفرقون، عن سوء نية أو عن غير قصد، بين ممارسات الشريعة الإسلامية الغراء وبين العادات والتقاليد التي ألِفَها الناس وتعودوا عليها، لتصبح بمرور الوقت جزءا من الدين الإسلامي، مما أوجد حالة من التشويش حول طبيعة مكانة المرأة في الإسلام، إضافة لما قام به أعداء الإسلام من محاولات مستميته لتقرير واقعًا مزيَّفًا مفاده أنَّ الإسلام ظلم المرأة وهضم حقها.
فالإسلام كان ولا يزال منهجًا للحياة، شاملًا للعقيدة والفكر والثقافة والسلوك والعبادة، حيث ارتقى بالمرأة وأوصلها إلى الدرجة الإنسانية التي تستحقها، وقرر الله – سبحانه وتعالى- مساواة خلقه في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً﴾، وقوله – تعالى – ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾، والتي تعنى مساواة الاسلام بين الرجل والمرأة.
فلا خلاف بينهما في التكاليف الشرعية، فالمرأة تصلى وتصوم وتحج وتزكى مثل الرجل، ولا خلاف في الواجبات والحدود، وكلاهما له وظائف يقوم بها تتناسب مع قدراته، فيُحمد للإسلام حفظه لمكانة المرأة وحقوقها ونظرته لها كشقائق الرجال في الوقت الذي عدها الرومان والآثينيون رجسًا ونجسًا من عمل الشيطان، كما رآها اليهود أمر من الموت، وشك فيها الفرنسيون و تساءلوا أهي إنسان أم لا ؟ لكن الإسلام قضى علي كل هذه الخزعبلات بقوله ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾، فالرجل والمرأة متساويين أمام الله.
كما جاء القران بحقوق مشروعة للمرأة لم يسبقه إليه أية شريعة أو دستور في العالم المتحضر، فالإسلام حرر المرأة من عبوديتها للرجال وأنَّها متاع لهم كما في بعض المعتقدات السابقة، وساهمت بجهودها بالقول والفعل والتطبيق، كما انها حاربت وخطبت وألقت الشعر في المجالس، وواجهت الخلفاء بالبيان الواضح والحجة.
كما أنَّ الإسلام أعطى للمرأة حق التحرير من سيطرة الرجل على مالها الخاص، حيث منحها حريتها المطلقة في التصرف في مالها وأملاكها، دون أن تتقيد برأي زوجها في معاملاتها الاقتصادية، فلها أن تبيع أملاكها أو تؤجرها، أو ترهنها وفق ما تراه مناسبًا لمصلحتها الشخصية الذاتية، ونجد ذلك في قوله – تعالى – ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾.
كما جعل رأي المرأة نافذ أحيانًا على الرجال، فأُمُّ هانئ بنت أبي طالب أخت الإمام علي بن أبي طالب أجارت رجلًا من المشركين، ورفض سيدنا علي إلاَّ أنْ يقتله، فقضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في هذه الحادثة بقوله: «أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ»، فأيُّ تكريمٍ هذا الذي مُنحه الإسلام للمرأة؛ ليعطيها الحقَّ في أن تُعْطِيَ الأمان والجوار في الحرب أو السلم لغير المسلمين.
فصلاح المجتمع لا يقوم إلا علي المرأة الصالحة، الذي اهتم الإسلام بتنشئتها وصناعتها، واعتبر وجودها دليلًا قوياُ علي استقامة المجتمع وصلاحه وقوته.