- دور فلسطين لكاشف يُفسِّر كيف أنها تخص البشرية كلها وأن الموقف منها يتجاوز السياسة..
- فلسطين بخصوصيتها لدى الإنجيليين الصهاينة وبعض ركائز إداراتهم تصلح كاشفا لحال العالم.
- عندما يقف المنطق مقلوبا على رأسه بفجاجة يظهر المبدأ القيمي الفلسفي الديني منتهَكا بلا خجل.
- بولتون هدد بعقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ومنع دخول قضاتها إلى أميركا وملاحقتهم وفق القانون الأميركي لو تجرأوا على مساءلة اسرائيل.
العالم وفق ترامب
بقلم: نهلة الشهال
أن يكون لمسألة فلسطين هذا الدور الكاشف يعني أنها تتجاوز موضوعياً دائرة أبناءها المعنيين بها مباشرة لأن أراضيهم سُلبت منهم ولأنهم يتعرضون كل يوم لانتهاكات شتى.
أن يكون لفلسطين هذا الدور الكاشف يُفسِّر كيف أنها تخص البشر كلهم، وأن الموقف منها يتجاوز السياسة..
* * *
القاعدة التي يتبعها ترامب بسيطة: أنا سيد الكون، أقول وأقرر وأفعل ما أشاء. وحين يرغب بالمواراة يحلّ أميركا مكان أناه فتصبح هي سيدة الكون الخ..
لا يعني ذلك أن ترامب مطلق اليدين حتى في داخل أميركا نفسها.
ولا يعني كذلك أنه قادر فعلاً على فعل كل ما يشاء في العالم، فهناك قوى نافذة سواه، وسوى أميركا تلك..
ولعل ذلك هو سرّ التوقعات التي تقول باحتمال نشوب حرب عالمية ثالثة، تَظهر اليوم في مقالات لباحثين عالميين بتكرار أكبر مما كان عليه خلال حقبة “الحرب الباردة”.
وأما الاشاعات التي تصدر في الولايات المتحدة خصوصاً (وفي سواها) حول اختلال صحة الرئيس الاميركي، العقلية والنفسية، فتعزز مِن هذه الأجواء، إذ يصبح “الهاجس” هو تلافي الأذى الذي يمكن أن يتسبب به الرجل ودرء خطره..
تماماً مثلما تكون عليه الحال مع مجنون في قاعة مليئة بالناس يعبث بقنبلة شديدة الانفجار.
نظرياً على الأقل، يمكن لإصبع الرئيس أن تضغط على زرّ إطلاق صواريخ نووية تتسبب بفناء الارض وما عليها بلمح البصر.. أيّ عبثية هذه!
لكن ترامب لم يكن مجنوناً يتصرف بمفرده حين قرّر كل ما قرّر بخصوص فلسطين خلال البضعة أشهر الماضية.
(اعتبار القدس الموحدة عاصمة لاسرائيل، نقل سفارة بلاده إليها، قطع المساعدات الاميركية عن الانروا، إغلاق مقر منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وأخيراً وليس آخراً الهجوم على محكمة الجزاء الدولية التي اتجه الفلسطينيون اليها لطلب التحقيق في جرائم اسرائيل بحقهم، وتهديدها كهيئة وتهديد قضاتها بالإسم..).
بل هو يحظى برضى وتشجيع ودعم من أغلبيةٍ في الكونغرس، وربما باجماع الادارة الاميركية، المؤيدة لمواقفه في هذا الملف.
وإن كانت الإدارات الاميركية المتعاقبة كلها ترى في إسرائيل ركيزة ثمينة لها –وهذا كاعتبار أول وأساس– وإن كانت كلها صهيونية، فقد تفوق عليها جميعاً ترامب هذا، ومن غير المجدي البحث في تأثير زوج ابنته عليه وفي الاسترسال بترداد روايات مبتذلة من هذا القبيل.
ففلسطين – على خصوصية موضوعها لدى الانجيليين الصهاينة، ومنهم غلاتها مثل ريغان وبوش الابن وترامب، وكذلك بعض ركائز إداراتهم – تصلح، كعادتها، ككاشف لحال العالم.
هنا يقف المنطق مقلوبا على رأسه بفجاجة تتولى إظهار كيف هو واقف على رأسه اجمالاً. هنا يُسحَق الحق بلا التباس ولا مواراة.. فيظهر كيف هو كذلك في كل مكان ومجال، وكيف أن هذا المبدأ القيمي والفلسفي والديني منتهَكٌ بلا خجل.
ويكفي لإدراك ذلك من بين مليون دليل، كبير وصغير، ما قاله منذ أيام مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون الذي هدد بفرض عقوبات على محكمة الجنايات الدولية وبمنع دخول قضاتها إلى الولايات المتحدة وملاحقتهم وفق القانون الأميركي، لو تجرأوا على مساءلة اسرائيل.
وحجته/ مبدأه إنه “ليس هناك أي نظام قضائي في العالم بالنسبة للأميركيين أعلى من الدستور الأميركي”. هذه البلطجة تعبًّر عن منظور هؤلاء للعالم.. ومقارنة به، يصبح الفيلم المرعب (2004) “العالم وفق مونسانتو” (الشركة الأميركية العملاقة التي تتولى تسميم الارض والناس بمنتجاتها) مزاح أطفال.
أن يكون لمسألة فلسطين هذا الدور الكاشف يعني أنها تتجاوز موضوعياً دائرة أبناءها المعنيين بها مباشرة لأن أراضيهم سُلبت منهم ولأنهم يتعرضون كل يوم لانتهاكات شتى.
أن يكون لمسألة فلسطين هذا الدور الكاشف يُفسِّر كيف أنها تخص البشر كلهم، وأن الموقف منها يتجاوز السياسة..
- د. نهلة الشهال كاتبة وناشطة لبنانية رئيسة تحرير «السفير العربي».
المصدر: «السفير العربي»