- تستعد الحركة للتوجه أوروبياً نظراً للخلافات الأوربية الأميركية، مستفيدة من دعم حكومة باكستان الخفي
- برزت طالبان كقوة وحيدة معارضة لا حاجة للعالم للتعامل مع غيرها وهذا الأخير يضعفها ويضعف مطالبها.
- استراتيجية طالبان إنهاك الخصم بهجمات خاطفة تزعزع علاقته بالحاضنة الشعبية وبأميركا.
طالبان.. مرحلة جديدة في أفغانستان
بقلم: أحمد زيدان
كشفت التطورات العسكرية والسياسية الأخيرة في أفغانستان عن مرحلة جديدة تستعد لها البلاد، وتقوم بالتهيئة لها حركة طالبان الأفغانية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس خلال السنوات الماضية.
وجعلت من حرب أفغانستان أطول الحروب الأميركية، بعد أن تعدت سبعة عشر عاماً، ولا تزال الحرب مستمرة لا يُعلم لها نهاية، فبداية الحروب ليست كنهاياتها.
والظاهر أن الأميركيين لم يتعلموا كثيراً من دروس التاريخ في أفغانستان التي عبر ومرّ منها كل المحتلين والغزاة إلا الإسلام، مرّ واستقر فاتحاً، بعد أن احتضنته القبائل الأفغانية التي سعت إلى مقاومته ومناكفته في البداية.
الظاهر أن المرحلة الجديدة تتمثل في الدفع بالقيادات الطالبانية الرفيعة إلى الداخل، وذلك من أجل تقوية وتعزيز الروابط والعلاقات مع الداخل، لا سيما أن البعض من هذه القيادات مضى عليها سنوات طويلة بعيدة عن حاضنتها، مما أضعفها وأضعف علاقة الداخل معها!
فكان هذا التحرك الجديد بداية لتصعيد العمل العسكري واقعاً، ومكّن ذلك الحركة من السيطرة بحسب المصادر الأميركية على أكثر من 60% من الأراضي الأفغانية، إذ إن الأوضاع العسكرية حالياً هناك تذكّر تماماً بالأيام الأخيرة للانسحاب السوفييتي من أفغانستان عام 1988.
الاستراتيجية الطالبانية على ما يبدو تقوم على إنهاك الخصم بهجمات خاطفة وقوية تؤدي إلى زعزعة العلاقة والرابطة بينه وبين الحاضنة الشعبية، وكذلك تزعزع ثقة الأميركيين بالحكومة الأفغانية.
إذ ستظهر عاجزة عن القيام بواجباتها في وجه حركة طالبان الأفغانية، بالإضافة إلى الحصول على الغنائم الجديدة، ومع مهاجمة أية منطقة ثلاث أو أربع مرات ستكون المنطقة قد أنهكت ويكون أمر استسلامها أو إخضاعها سهلاً.
يتوازى هذا مع تحرك سياسي تستعد له حركة طالبان إن كان على مستوى استئناف الحوار مع واشنطن، من أجل استثمار التحرك العسكري، أو من حيث التحرك صوب دول جديدة في ظل الخلافات والتباينات الدولية التي تلمسها الحركة، فكانت لقاءاتها مع الصين وإندونيسيا.
واليوم قد تستعد الحركة للتوجه أوروبياً، بحسب بعض الخبراء، نظراً للخلافات الأوربية الأميركية، مستفيدة من الداعم الخفي والخلفي لها الحكومة الباكستانية.
وكذلك قدرتها على المناورة والسير في تضاريس وعرة مسلحة بخبرة مهمة في التعاطي مع هكذا أوضاع منذ نشأتها، والتي توجتها بالتعامل الصعب مع كل أطراف العالم أيام الجهاد الأفغاني، والحرب على ما يوصف بالإرهاب.
خروج زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني قلب الدين حكمتيار من مسرح مقاومة الأميركيين جعل الحركة تتسيد وتتفرد بالمعارضة وحدها، ودفع العالم كله سراً وعلناً إلى التعامل معها.
وبالتالي برزت كقوة وحيدة معارضة لا حاجة للعالم أن يتعامل مع أكثر من جهة، وهو ما يضعفها ويضعف مطالبها، كما حصل في مناطق أخرى من العالم.
قد يكون رحيل شخصيات رمزية من أمثال جلال الدين حقاني، ومن قبل زعيم الحركة السابق الملا أختر منصور، والمؤسس الملا محمد عمر، قد أثر على الحركة ومسيرتها.
لكن الظاهر أن التأثير ليس كثيراً، ففي جوهر الحركة القرارات تتخذ بشكل شوري أقرب إلى القرارات التقليدية التي تتخذها القبيلة الأفغانية عبر «لويا جرﮔا»، والأمر الآخر فإن مرض جلال الدين حقاني لفترة طويلة مكّن الحركة من الاستعداد لهذا اليوم.
وهو ما حصل مع الزعيمين السابقين للحركة اللذين رحلا، إذ كان غيابهما الواضح عن التعاطي المباشر مع الأحداث فرصة لأن تمضي الحركة وحدها وبآليتها الخاصة التي سارت عليها لثلاثة عقود ماضية.
- د. أحمد موفق زيدان كاتب صحفي وإعلامي سوري.
المصدر: صحيفة «العرب» القطرية