إن حقائق الأزمة المالية العالمية ومانتج عنها من دمار مخرب لحق باقتصاد وأثر أكبرالأثرعلى الفقراء والدول النامية والفقيرة فى العالم وفى ذات الوقت كما يطرح أستاذ الدراسات الأوروبية بجامعة أوكسفورد، تيموثي جارتون آش، رؤيته لتداعيات الأزمة المالية العالمية علي النظام الدولي في مقال بعنوان “فوضي عالمية جديدة”،أنه بالرغم من “أن هذه الأزمة، في رأيه، لم تؤد إلي الانهيار التام للرأسمالية الليبرالية الديمقراطية، فإنها في المقابل لم تدفع إلي عملية إصلاح شاملة كما كان الأمل معقودا، حيث تواصل الرأسمالية الغربية مسيرتها، مثقلة بالجراح والديون والقلاقل الاجتماعية ” ولكنها مازالت تعالج أزماتها بالتفكير الاستعمارى وتحقيق الخراب للآخرين بالقوة العسكرية ومن ثم الخضوع لها والاستثمار لقواها الاقتصادية فى مايسمى بإعادة الإعمار للدول المخربة على أيدى قوتها العسكرية، وكما ذكر رئيس الدولى روبرت زوليك عن أن ما يقرب من 100 مليون شخص قد سقطوا بالفعل فى براثن الفقر خلال هذا العالم وسط توقعات بتصاعد هذا الرقم ( الأهرام14 ـ10ـ 2008)، تؤكد أن الأزمة سببها الأطماع والصراع بين قوى البشر داخل النظام الرأسمالى الغربى، وكما ترى “فاينانشال تايمز” الرأسمالية سببها الأعمق العولمة النيو – ليبرالية المُنفلتة من عقالها والفجوة التي لا تني تتوسّع في داخل الدول بين الفقراء والأغنياء، والتضخم الكبير في أسعار المواد الغذائية والطاقة؟
الأزمة الراهنة كما يحلل عالم اقتصادي هو د.حازم الببلاوى ليست سوى امتداد طبيعي للأزمة التي سبقتها، فالنظام الرأسمالي لم يخرج من محنته بل لا يزال يغرق فيها ، أنها أزمة أخلاقية، اجتماعية وسياسية في آن واحد. ويضيف بأن من يسيطر على العالم اقتصاديا لا يرى فائدة في الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي الذي يخلق ثروة حقيقية ويمنح العامل أساسا ماديا للحياة. أن الاستثمار الحقيقي يستوجب احترام حقوق العامل وتوفير اجر محترم له، وهذا لا يضمن للأثرياء أرباح 100 في المائة كما يريدون.
أن هذا النظام يمتص دماء البشرية، يسلب من العامل توفيراته الضئيلة التي يمكن أن تضمن له مستقبله، ثم يأخذ منه بيته، مكان عمله وكرامته. وقد حددت اتفاقية بازل للرقابة علي البنوك حدود التوسع في الإقراض للبنوك بألا تتجاوز نسبة من رأس المال المملوك لهذه البنوك، فالبنك لا يستطيع أن يقرض أكثر من نسبة محددة لما يملكه من رأسمال واحتياطي وهو ما يعرف بالرافعة المالية.ورغم أن البنوك المركزية تراقب البنوك التجارية في ضرورة احترام هذه النسب، فإن ما يعرف باسم بنوك الاستثمار في الولايات المتحدة لا يخضع لرقابة البنك المركزي، ومن هنا توسعت بعض هذه البنوك في الإقراض لأكثر من ستين ضعفاً من حجم رؤوس أموالها كما في حالة UBS، و بنك Lyman ،ولكن لماذا تتوسع المؤسسات المالية في الإقراض والاقتراض؟ لسبب بسيط، الجشع greed، فمزيد من الإقراض والاقتراض يعني مزيداً من الأرباح، أما المخاطر الناجمة عن هذا التوسع في الإقراض فهي لا تهم مجالس الإدارة في معظم هذه البنوك، والتي تهتم فقط بالأرباح قصيرة الأجل، حيث يتوقف عليها حجم مكافآت الإدارة، ومن هنا ظهرت أرباح مبالغ فيها ومكافآت مالية سخية لرؤساء البنوك، وهكذا أدي الاهتمام بالربح في المدة القصيرة إلي تعريض النظام المالي للمخاطر في المدة الطويلة بالإضافة إلى عمليات النصب البشرية المتبادلة بين الأطراف المالية.
ويورد الدكتور حازم الببلاوى مثالا بشريا على ذلك فإذا كان طالب القرض يشعر بالتوتر من أن الجهة المقرضة يمكن أن تستعلم عن “الدخل المصرح” فكل ما عليه هو زيارة موقع شركة معينة على الإنترنت ومقابل رسوم مقدارها 55 دولارا سيساعدك المأمورون العاملون في هذه الشركة الصغيرة ( مقرها ولاية كاليفورنيا ) في الحصول على قرض بتوظيفك على أنك “مقاول مستقل”. وسيعطونك إشعارات بالرواتب لتكون “دليلاً” على الدخل، وإذا دفعت رسماً إضافياً مقداره 25 دولاراً فإنهم يضعون مأموري الهاتف الذين يردون على المكالمات ويجيبون أجوبة تعطي عنك صورة براقة إذا احتاج البنك إلى الاستفسار عن وضعك. ومن جانب أخر يكشف عن ظاهرة الكازينو وهى عبارة عن مؤسسات مالية نخبوية تُعرف باسم “صناديق التحوط” (Hedge Funds) وهي ليست مفتوحة لعامة الشعب، بل للأثرياء فقط . كل صندوق يمكن أن يستوعب 500 مستثمر كأقصى حد، يدفع كل منهم رسوم اشتراك بقيمة مليون دولار كأدنى حد. ويصل أجر مدير الصندوق إلى 1-2% من قيمة الأصول (assets) و20% من الأرباح. والأهم أن صندوق التحوط غير مسجل، ولا يخضع للرقابة مثل صناديق الاستثمار العادية.
لمطالعة المقال الأول في السلسلة من هنا: الواقع العالمي
ولمطالعة المقال الثاني من هنا: المعطيات الجديدة في هذا الكوكب
ولمطالعة المقال الثالث من هنا: تحطيم المقاومة ضد أية هيمنة غربية
ولمطالعة المقال الرابع من هنا: حقائق الهيمنة الاستعمارية