- باراغواي “صغيرة” وفقيرة لكن ضجّ منها الحُكم الصهيوني بعد أن سددت ضربة لأنف نتنياهو وتطرفه وانفلاته.
- المشهد الدولي ليس قاتما دائما وقد يتبدل إيجابيا لكن هذا يحتاج أداء فلسطينيا دوليا سليما وتوحيد الخطاب.
دولة صغيرة اسمها باراغواي
بقلم: برهوم جرايسي
الباراغواي دولة “صغيرة”، إن صح التعبير، مقارنة بحجم الدول في محيطها، في وسط القارة الأميركية الجنوبية، قرابة 8 ملايين نسمة، والاقتصاد على قد الحال أيضا، ولكنها مؤخرًا ضجّ منها الحُكم الصهيوني، بعد أن سددت ضربة على الأنف، لكل ما يمثله بنيامين نتنياهو من تطرف وانفلات، وبث أكاذيب عن البحبوحة التي يعيشها عالميا.
لكن حقيقة، فإن هذه الفسحة التي ضمنتها له الإدارة الأميركية الحالية، التي قد يتغير حالها في غضون شهرين من الآن.
فقد احتفلت “إسرائيل نتنياهو” قبل أربعة أشهر بأن البارغواي، سارت على خطى أميركا ترامب، ونقلت سفارتها من تل أبيب إلى القدس، ومعها في تلك المرحلة غواتيمالا. ثم أكثرَ نتنياهو من الحديث في تلك الأيام، بأنه يتوقع أن تقرر عشرات الدول نقل سفاراتها إلى القدس، وأن الدفعة الأولى ستصل إلى 10 دول حتى نهاية العام الحالي.
وحينما سئل عن أن البارغواي على وشك تغيير الحكم فيها، قال نتنياهو أو “مصادر” في محيطه، إن القرار متفق عليه مع من كانوا في حينه معارضة.
بمعنى من بات في الشهر الماضي، رئيسا رسميا، ماريو عبدو بنيتيز، ومن اسمه واضحة تماما أصوله العربية. وحسب ما ينشر، وليس رسميا، فإن أصل عائلته من مدينة عكا، وقد هاجر جدها من فلسطين، أيام “السفر برلك”، قبل العام 1915.
إلا أن الحقيقة الملموسة بالواقع اليوم، أن نتنياهو اتضح مرّة أخرى بأنه كذّاب، وهذه ليست “شتيمة”، بل هذا ما يكتب عنه في الصحافة الإسرائيلية من حين إلى آخر، ومعروف عنه بنثر أجوبة ليست واقعية ليبرر مواقفه.
وها هو يرد بغضب وعنجهية وغطرسة، على قرار الرئيس ماريو عبدو، ويهدد بأن هذا “سيؤثر سلبا على العلاقات بين الدولتين”، وقرّر فورا إغلاق السفارة الإسرائيلية في عاصمة البارغواي.
ولكن “نرفزة” نتنياهو في خلفيتها أيضا، أن ما وعد به جمهوره الإسرائيلي لم يحدث، ولا نرى حتى الآن، تدفق الدول على نقل سفاراتها إلى القدس.
وكل ما في الأمر أن نتنياهو، بمساعدة مجموعات الضغط الصهيونية، بالذات في الولايات المتحدة، ودول كبرى أخرى، يلجأ إلى دول صغيرة، وبالذات ضعيفة اقتصاديا، ويمر عليها حكّام من اليمين المتطرف، الذين منهم من ترتبط ذيولهم بحركات نازية، ليبتزوا منها قرارات مناصرة للسياسات الإسرائيلية.
وهذا ما بدأ يقال بقوة في الصحافة الإسرائيلية، مثل محلل الشؤون العسكرية في صحيفة معاريف، يوسي ميلمان، الذي كتب قبل أيام:
“إن إسرائيل تتبادل التجارة ببساطة مع ديكتاتوريين، أو أنظمة يمينية متطرفة وموضع خلاف، نحن نمنحكم شرعية دولية، نبيض مظاهر اللاسامية أو العنصرية في دولكم، نبيعكم السلاح والخبرة الأمنية، ونساعدكم في الصراع المشترك ضد الإرهاب الإسلامي. وبالمقابل، تصوتون لنا في الأمم المتحدة وفي محافل دولية أخرى وبالأساس تساعدوننا على تخليد الاحتلال ومنع إقامة دولة فلسطينية”.
وكثرت في الأيام الأخيرة، على وجه التحديد، تحذيرات صنّاع رأي وسياسيين سابقين إسرائيليين، من انفلات نتنياهو في العالم، فهؤلاء ليسوا دائما كتّابا مما يسمى “اليسار الصهيوني”، بل منهم معروفة عنهم مواقفهم اليمينية.
فهؤلاء أيقنوا تماما أن السند الأساس لانفلات نتنياهو، هو الإدارة الأميركية الحالية. ويحذرون من أن الحزب الجمهوري بزعامة ترامب قد يضعف في الانتخابات التشريعية النصفية في مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وحتى أن الجمهوريين قد يخسرون الأغلبية المطلقة في أحد مجلسي؛ الكونغرس والشيوخ، أو حتى الاثنين معا.
وهذا قبل أي حديث عن احتمال أن يواجه ترامب مسار الإقصاء عن منصبه. ويحذرون في الوقت ذاته من أن الحزب الديمقراطي قد يحاسب نتنياهو وتياره على لعبهما في الساحة الأميركية لصالح الحزب الجمهوري، وضد الديمقراطي. ولكن نحن يجب أن لا تتملكنا أوهام استثنائية، حول طبيعة هذه “المحاسبة” إن ستكون.
ما يراد قوله، إن المشهد الدولي ليس قاتما إلى هذا الحد، وقد يتبدل إيجابيا في الفترة المقبلة، ولكن هذا يحتاج إلى أداء فلسطيني سليم على الساحة الدولية، وتوحيد الخطاب نحو مطلب واحد: الحرية والدولة المستقلة ذات السيادة والعودة.
* برهوم جرايسي كاتب فلسطيني في الشأن الصهيوني.
المصدر: صحيفة “الغد” الأردنية.