- تَميزٌ متقدم للتجربة الأميركية يحفظ التوازنات بشكلٍ يعطي التجربة خصوصيتها الفريدة.
- هناك ملابساتٌ قد تجعل هذه الممارسة مفترق طريق حساس وربما خطير يؤثر في واقع أميركا وفي عالمٍ تستحيل فيه «المفاصلة» في التأثير المتبادل معها.
- مؤشرات عديدة ترجح عودة الديموقراطيين للسيطرة على الكونغرس بمجلسيه وأغلب حكام الولايات.
بقلم: وائل مرزا
«مسكينةٌ المكسيك، قريبة جداً من أميركا، بعيدةٌ جداً عن الله». أطلق العبارة هوزيه دي لاكروز موري، سياسي مكسيكي بارز، انتُخب رئيساً لبلاده سبع مرات بين نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.
بخبرةٍ مريرة اكتسبها في موقع المسؤولية الطويل ذاك، لخص الرجل رؤيته لمدى تأثير علاقة الولايات المتحدة بالدولة اللاتينية، التي تُشكل مع الولايات المتحدة وكندا الجزء الشمالي من قارة أميركية، يُفترض منطقاً أن تنسجم مصالحها.
تعرضت المكسيك، كما يُعرف تاريخياً، بحكم هذا الجوار الجغرافي ولا تزال، لضغوط ثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية هائلة، أضعفت قدرتها، ليس فقط على الاحتفاظ بهويتها الذاتية، بل على تشكيل هوية عصرية تحفظ التوازن بين ما هو ذاتي محلّي حميم، وما هو خارجي ينبع من التفاعل مع العالم ومع الآخر.
أدخل هذا المكسيك في دوامة أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية لم تستطع الخروج منها حتى اليوم، في شكلٍ يتطلّب كثيراً من التحليل. أقلُّهُ، لأن حجم تلك الأزمات وطبيعتها يُعتبر غريباً قياساً لثراء التجارب التاريخية التي مرت بهذا البلد، وغِناه البالغ بالموارد البشرية والطبيعية.
تبدو القصة أعلاه مناسِبة لحديثٍ عن أميركا اليوم. إن لجهة المتغيرات الهائلة التي تحصل فيها، أو لاستقراء ملامح وتبعات تأثيرها في العالم بأسره، وفي المنطقة العربية منه على وجه الخصوص.
بعد أقل من شهر، تشهد أميركا انتخابات نصفية تجري كل عامين. التقليد التاريخي مدروس، وفيه جانبٌ من عبقريةٍ دستورية تسمح بتداولٍ انتخابي يفتح المجال لتجديد الدماء، في المنظومة السياسية، وتخفيف أي آثار سلبية لتآلفات شخصية وتحالفات سياسية يمكن أن تنتج من بقاء أعضاء الهيئة التشريعية ذاتهم في مواقعهم فترة طويلة.
فوق هذا، تأتي هذه الممارسة لتكون فرصة المواطنين للتعبير عن آرائهم، انتخابياً، في مواقف وطريقة عمل ممثليهم، في الكونغرس الفيديرالي، وغيره من مئات المواقع الحكومية والهيئات التشريعية المنتشرة في خمسين ولاية أميركية.
من حاكم الولاية إلى المسؤول عن المقاطعة التعليمية في محلةٍ صغيرة، مروراً بالمسؤولين في الإدارات القانونية والحقوقية الفيديرالية والمحلية الموجودة في الولايات المختلفة.
من جهة، ثمة تَميزٌ متقدم للتجربة الأميركية في هذا السياق يحفظ التوازنات في شكلٍ يعطي التجربة خصوصيتها الفريدة.
من جهةٍ أخرى، تظهر، بين حينٍ وآخر، ملابساتٌ تجعل مثل هذه الممارسة مفرق طريق حساس، وربما خطير، لايؤثر في واقع أميركا وحدها، وإنما يمتد تأثيره إلى عالمٍ تبدو «المفاصلة»، في التأثير المتبادل، بينه وبين ذلك البلد مستحيلة.
قد يكون بعض التفصيل بالأرقام مفيداً للتوضيح. هناك 435 مقعداً في مجلس النواب الذي ستشمل الانتخابات النصفية كل أعضائه. يسيطر الجمهورين على المجلس الحالي بامتلاك 236 صوتاً مقابل 193 للديموقراطيين، مع وجود 6 مقاعد شاغرة لأسباب مختلفة.
النقطة الحساسة تكمن في أن 37 عضواً جمهورياً أعلنوا نيتهم عدم الترشح لعضوية المجلس، في حين أعلن 18 عضواً ديموقراطياً عزوفهم أيضاً عن الترشح. الأرقام تعني أن الديموقراطيين يحتاجون إلى 24 عضواً لاستعادة السيطرة على مجلس النواب.
أما أعضاء مجلس الشيوخ فيبلغ 100 فرد، بواقع عضوين عن كل ولاية. ويسيطر عليه الجمهوريون حالياً بغالبية صوتٍ واحد فقط (51 عضواً)، بغض النظر عن وفاة السيناتور الجمهوري جون مكين، وشغور منصبه حالياً.
في حين يملك الديموقراطيون 47 صوتاً رسمياً، إضافةً إلى عضوين مستقلين، يصوتان لمصلحتهم في الغالبية العظمى من الحالات. لكن الانتخابات المقبلة تشمل فقط ثلث أعضاء مجلس الشيوخ (33 عضواً للدقة)، منهم 24 ديموقراطياً، و9 جمهوريين.
إلى أين يقودنا الحديث؟
ثمة مؤشرات وتفاصيل عدة ترجح بقوة عودة الديموقراطيين للسيطرة على الكونغرس بمجلسيه، فضلاً عن فوزهم بمناصب أكثر كحكام ولايات، إلى غير ذلك من المناصب.
هذا فضلاً عن نتائج الانتخابات التمهيدية الحزبية التي جرت خلال الأسابيع الماضية للفوز بين مرشحي الحزبين، والتي أظهرت معطيات وجود حافزية لممارسة عملية التصويت للديموقراطيين بأرقام قياسية.
ولجهة الزخم الكبير الذي تبدو الثقافة السائدة في أوساط التقدميين والديموقراطيين في شكلٍ عام تدفع إليه، متمثلاً في انتخاب أكبر عددٍ في تاريخ أميركا من الأقليات، من النساء إلى الأفريقان الأميركيين، مروراً بالمثليين والمتحولين جنسياً، وصولاً إلى اللاتينيين والصينيين والهنود والعرب والمسلمين.
مفيدٌ مثلاً، للعرب والمسلمين، المعرفة بوصول أول صومالية محجبة بعمر 33 سنة لتكون مرشحة الحزب الديموقراطي لمجلس النواب بفوز كاسح على منافستها الأميركية البيضاء، هذا فضلاً عن إمكانية وصول نساء من أصل عربي ومسلم أخريات، مثل رشيدة طليب في ولاية ميشيغان وديدرا عبود في ميشيغان وتحريرا أمة الودود من ماساتشوستس.
مؤشرات ما اصطُلح على تسميته في أميركا «الموجة الزرقاء» كثيرة، وارتداداتها الداخلية والعالمية السياسية كبيرة بتفصيلٍ قد يستحق مقالاً آخر. يكفي هنا الإشارة إلى عنوانين أوردهما منبران من أكثر منابر الإعلام صدقيةً وشهرة.
ففي حين يعنون موقع «سي إن إن» المادة المتعلقة بالموضوع كالتالي: «كل علامةٍ تشير إلى موجة ديموقراطية في تشرين الثاني(نوفمبر)»، تختار وكالة بلومبرغ عنواناً يقول: «الحزب الجمهوري يتحضر لاكتساح ديموقراطي في تشرين الثاني».
ماذا سيجري داخلياً إذا ماحصل هذا؟ وما تبعاته العالمية؟ بتلخيصٍ لايحتمل المقال تفصيله: حربٌ شرسة سياسية بين ترامب شخصياً، وإدارته في شكلٍ أقل، وبين الديموقراطيين تتعلق بكل قانونٍ تم إقراره من قبل الرجل على مدى العامين الماضيين.
هذا فضلاً عن سيناريو مطروحٍ بقوة للبدء بإجراءات عزله من الرئاسة. الأمر الذي لا يُستبعد أبداً أن يصبح سبباً لقرارات «ترامبية» كارثية تجر معها أميركا إلى صراعٍ سياسي، وربما شعبويٍ، غير مسبوق.
وإذ يتعلق كثيرٌ من القرارات والسياسات المذكورة أعلاه بالعالم وشجونه من الاقتصاد إلى الهجرة، وصولاً إلى ندوب شخصية رسختها تصريحات ترامب وطريقة معاملته لكثيرٍ من قادة العالم، فإن الحديث عن أرقٍ يصيبهم مع دولهم وشعوبهم، فضلاً عن أميركا لن يفتقد مشروعية.
أما نصيب العرب في هذه الشجون فكبيرٌ لدرجةٍ تستحق عرضها في مقامٍ آخر.
- د. وائل مرزا كاتب سوري
المصدر: صحيفة «الحياة» السعودية