- منذ بداية الأزمة السورية لم تكن تركيا وحدها كما بدت في قمة طهران، إذ لم يؤخذ بجلّ مقترحاتها.
- حرص روسيا أبقى تركيا بالمعادلة للحاجة إليها بمواجهة أمريكا واجتذابها لتطبيع علاقتها بالنظام السوري.
- مهمة تركيا إقناع «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) بحلّ نفسها ودمج مقاتليها في «الجبهة الوطنية للتحرير».
بقلم: عبد الوهاب بدرخان
تتكرّس الوصاية الثلاثية على سوريا، اجتماعاً بعد آخر (بين سوتشي وأستانا)، وقمةً بعد أخرى، بين روسيا وتركيا وإيران. هذه الدول موجودة على الأرض وتمارس مصالحها بشكل مباشر وتحاول أن تقيم تراضياً في ما بينها عبر معادلات صعبة ثابتة أو متغيّرة، آنية أو بعيدة المدى.
بَنَت روسيا وإيران تدخّلهما على اعترافهما بشرعية النظام السوري الذي طلب مساعدتهما، فأدارتا وجوداً يديم مصالحهما التي لا تشكّل بالضرورة مصالح لسوريا نفسها.
أما تركيا فراهنت على دعمها للمعارضة السورية، بشقّيها العسكري والسياسي، ولا تزال تستخدمها كورقة لتحسين موقعها في الوصاية الثلاثية، لكنها قد تكون مقبلة على خيبة أمل.
كان المشاركون في لقاءات أستانا قد لاحظوا منذ عام ونيّف أنها مالت أكثر إلى إبراز تفاهمات ثنائية روسية تركية، إلا أن اقتراب المعركة الأخيرة في إدلب أعاد إنعاش التوافق الروسي الإيراني، وهو ما ظهر بوضوح في القمة الأخيرة في طهران.
حتى لو اكتفى الروس والإيرانيون بمعركة محدودة على أطراف إدلب، من جهات الغرب والجنوب الغربي والجنوب الشرقي للمحافظة، فإن هذا لا يشكّل بالنسبة لتركيا سوى تمديد قصير للمهلة المحدّدة لها كي تنجز المهمّة الصعبة التي اقترحتها بنفسها.
ألا وهي إقناع «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) بحلّ نفسها ودمج مقاتليها في «الجبهة الوطنية للتحرير» التي تضم فصائل معارضة توحّدت أخيراً بإيعاز تركي، وسيكون على «النصرة» أيضاً أن تتخلّى عن الأجانب المقاتلين في صفوفها.
لكن أحداً لا يستطيع التكهّن بمصير هؤلاء، إذ لا يُتوقّع أن يستسلموا أو يسلّموا ليعاد تسليمهم إلى بلدانهم الأصلية أو أن يتبرّع أي بلد باستقبالهم في سجونه.
على افتراض نجاح هذه الخطّة فإن روسيا (وكذلك الولايات المتحدة ودول أخرى) ستواصل اعتبار «النصرة» تنظيماً إرهابياً مرتبطاً بتنظيم «القاعدة».
ومع أن احتمالات النجاح متواضعة، فإن تركيا تأمل بتخطّي الصعوبات لتقنع «الشريكين» الروسي والإيراني باعتبار الحرب السورية منتهية وبإبقاء إدلب تحت إشرافها إلى أن يُتفق على الحل السياسي، أي أنها تريد تأجيل استعادة النظام السيطرة على هذه المحافظة بكاملها.
هذا يناقض منطق الروس والإيرانيين، وكل المؤشّرات تؤكد أنهم يريدون كل سوريا للنظام، ولهم أيضاً في إطار تنافسهم على المصالح. لذلك فإن معركة إدلب تهدّد الوجود التركي في شمال غربي سوريا، وفَور انتهائها سيُطرح مصير الدور التركي في المنطقة المسمّاة «درع الفرات» امتداداً إلى عفرين.
وحده الحرص الروسي أبقى تركيا في المعادلة، أولاً للحاجة إليها في مواجهة الولايات المتحدة، وثانياً لاجتذابها إلى تطبيع علاقتها مع النظام السوري.
لن تكون أمام أنقرة خيارات أخرى غير التكيّف مع «الشريكين»، فرغم أن للولايات المتحدة حضوراً مهمّاً بمشاركة دول التحالف الدولي في شمال سوريا، فإنها تلعب أوراقها لنفسها بتنسيق مع روسيا أو من دونه.
في الآونة الأخيرة مرّت مواقف واشنطن بتقلبات محيّرة، إذ لوّحت لفترة بالاستعداد للانسحاب من سوريا، ثم انقلبت فجأة إلى تأكيد بقائها من دون تحديد مهلة زمنية.
ولعل مقارباتها المتناقضة للمشاكل العالقة مع موسكو، حالت دون التوافق بشأن سوريا، كذلك دون بناء استراتيجية أميركية واضحة للتعامل مع هذه الأزمة.
والملاحَظ أن واشنطن حرصت على التعاون في أضيق نطاق مع أنقرة ولم تستثمر إلا في الأكراد الذين قاتلوا «داعش» وظلّوا على علاقة مع نظام دمشق ويحاولون الآن تطوير تفاهم خاص معه، بموافقة أميركية، إلا أنه يرفض استقلاليتهم في منطقة إدارة ذاتية.
لا شك أن استحقاق إدلب يشكّل لتركيا لحظة حقيقة مقلقة بالنسبة لنفوذها ودورها، فهي لا تستطيع منع عملية واسعة للنظام والإيرانيين بدعم جوي روسي، وقد لا تتمكّن من إبقاء حدودها مغلقة أمام زحف مئات آلاف اللاجئين.
وإذا رفضت الفصائل الموحدة («الجبهة الوطنية للتحرير») خيار الاستسلام و«مصالحة» النظام، فسيكون عليها أن تستقبلهم على أرضها. لكن الأهم أن التقلّص التلقائي لرقعة نفوذها سيضعف قدرتها على التأثير بمرحلة بلورة الحل السياسي والخطط التي تطرحها روسيا لإعادة اللاجئين.
ومنذ بداية الأزمة السورية لم تكن تركيا وحدها كما بدت في قمة طهران، إذ لم يؤخذ بجلّ مقترحاتها.
بالمقابل لم يبدِ الأميركيون والأوروبيون اهتمامًا بهواجسها وحصروا تحذيراتهم باحتمال استخدام السلاح الكيماوي، ما شكّل رسالة إلى روسيا بأن كل الأسلحة الأخرى متاحة في معركة إدلب.
- عبد الوهاب بدرخان كاتب وصجفي لبناني
المصدر: صحيفة «الاتحاد» الإماراتية