بدأ القرن العشرون, ومعه بدأت تنفذ بروتوكولات حكماء صهيون, وتكشّف حلم (إسرائيل الكبرى), ووضع المخطط, واختير المنفذون, وسيّرت التوراة لخدمة المشروع, فللتوراة فعل تاريخي يتميز تفسيره بخصائص لا نجدها بغيره من التفاسير, وعليها تبنى مبررات الأحداث التي كانت وستكون, فالنظرية العامة التي توجه الفعل التوراتي أيّاً كان, ترتبط بشكل مباشر بوعد الله الذي قطعه على إبراهيم بإعطائه أرض كنعان واختيار نسله ليكون لهم إلهاً, وكما تقول التوراة فإن هذا العهد قُسم لإسحق وثبّته يعقوب فريضة, وكان لإسرائيل عهداً أبدياً, وبحلّ العهد نجده ينقسم إلى قسمين, الأول : اختيار (شعب بني إسرائيل), والثاني: إعطاء (أرض كنعان لهم), وهذا العهد مقدّس بالتأكيد.
وباختصار وجيز, سنأخذ القسم الثاني من العهد ونسّلط الضوء على أرض كنعان التي أعطاها الله لإبراهيم ونسله كما ورد في التوراة, والتي تعرف أيضاً (بأرض الفلسطينيين), والذي بيّن الوعد الإلهي في التوراة حدودها الكائنة “من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات”, والتي كان لها أن تنشئ في عصرنا الحالي, فقطّع قالب الحلوى العربي, وظنّ الكثير أنه من قسّم البلاد العربي هو اتفاق سايكس بيكو الذي كان واجهته بريطانيا وشريكتها فرنسا, ولكن الاعبين المؤسسين لهذا المشروع, نسجوا مشروعهم الصهيوني مع النظام العالمي, لتصبح شيفرة العالم المعاصر تكمن في دولة إسرائيل.
اتبع المشروع الصهيوني استراتيجية تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات إثنية ودينية مختلفة، كي يسهل التحكم فيه, ومن ثم تكون بيئة خصبة لزرع الدولة الصهيونية الغريبة في الوطن العربي بشكل طبيعي.
كما أن التطبيع الذي نشهده في الفترة الحالية من الدول العربية وخاصة الخليجية, لم يكن سوى المرحلة الأخيرة من التطبيع, فقد كان أول تطبيع هو الموافقة على التقسيم الذي شهدته المنطقة, وتغير الإيديولوجيّة تدريجياً.
تصدّرت في الآونة الأخيرة أخبار التطبيع التي انخرطت بها دول الخليج العربي, وقد لا يعلم الكثير أن شبه الجزيرة العربية بالكامل هي جزء مشروع الدولة الصهيونية, وقد تحدثت الدكتورة أميمة بنت أحمد الجلاهمة عن إحدى الخرائط التي كشفت عن أطماع الصهيونية في دول الخليج والجزيرة العربية، هذه الخريطة بعث بها حاخامو القدس إلى السلطان عبد الحميد العثماني يطالبون من خلالها إقامة دولة يهودية تشمل الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين والعراق وقسما من مصر وشمالي الحجاز والمدينة المنورة، وكان اللورد اليهودي (روتشيلد) الذي يحتفظ بتلك الخريطة، أطلق عليها (خريطة مملكة إسرائيل)، وجدير بالملاحظة أن مجلة (التبشير اليهودي) علقت على هذه الخريطة بقولها: (إن بعض اليهود يعتقدون أن إسرائيل يجب أن ترث شبه الجزيرة العربية كاملة). التوجه لهؤلاء دعمه (ثيودر هرتزل) رئيس المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد عام 1897م في سويسرا، إذ أشار إلى أن تطلعات الصهيونية العالمية لا بد أن تصل إلى إضعاف وتقسيم الجزيرة العربية، فقد قال: (إن ما يلزمنا ليست الجزيرة العربية الموحدة، وإنما الجزيرة العربية الضعيفة المقسمة الواقعة تحت سيادتنا، المحرومة من إمكان الاتحاد ضدنا). الجزيرة العربية الضعيفة والمقسمة هذا ما يتطلع إليه هذا الكيان.
وعملت الحركة الصهيونية على التغلل في المجتمعات العربية كافة, وذلك لمعرفة المجتمعات الأكثر هشاشة, ولربّما كانت الأكثر هشاشةً هي تلك التي سلّمت إليها اليوم, وأخرجت التطبيع الخفي للعلن.
خرج التطبيع العربي وخاصة الخليجي للعلن, وأُعلنت إسرائيل دولة حليفة وصديقة ولربّما شقيقة, وقد كان الاستياء العربي خجولاً نوعاً ما, فلم نجد المظاهرات الجرّارة المندّدة بهذه الخطوة التي تتخذها أنظمتنا التي عملت على قمعنا لسنوات وإسكاتنا وتحيدنا عن القضية بالجوع والفقر والحروب وغسل الأدمغة, تسهيلاً لتنفيذ المشروع الصهيوني, كما نجحت بنزع الحس الوطني والعروبي لدى غالبية شعوبها, ومحو القضية الفلسطينية من قلب ووجدان كل عربي ترضيةً وتسهيلاً لهذا المشروع.
كما تتخذ دول الخليج من عدائها لإيران ذريعةً لتبرير تطبيعها, فللبحرين مصالح مشتركة مع أمريكا والعدو الإسرائيلي أيضا، ضمن استراتيجية دونالد ترامب، الهادفة إلى إحتواء إيران، التي تمثل من وجهة نظر واشنطن خطرا إقليميا، على المصالح الأمريكية، في المنطقة كما تمثل في نفس الوقت عدوا لدوداً لإسرائيل.
وتعتبر السلطات البحرينية نفسها، وفق كثير من المراقبين الأكثر عرضة للتهديد من قبل إيران, فقد عملت الأنظمة الخليجية منذ عقود على زرع فكرة العداوة مع إيران, وأن إيران تشكل خطر كبير على المنطقة ومواجهتها ضرورة, حتى ولو كان التحالف مع إسرائيل لمواجهتا, فبهذه الإيديولوجية المتّبعة, نجحت الأنظمة الخليجية بامتصاص غضب شعوبها, بل وجعلهم يقبلون التطبيع وبأحقّيته,
ومن وجهة نظر بحرينية, فإن الدافع المهم الآخر لسعي البحرين باتجاه هذا الاتفاق، لا يختلف عن الدافع الذي أعلنته الإمارات فيما سبق، وهو فوائد التبادل الإقتصادي والأمني والعسكري والتكنولوجي مع إسرائيل.
بحيث ركّز رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في وقت سابق على هذا الجانب، إذ قال في بيانه تعليقا على اتفاق السلام مع المنامة، يوم الجمعة 11 أيلول/سبتمبر : “على مدى سنوات طويلة استثمرنا في السلام، والآن سوف يستثمر السلام فينا، وسيحقق استثمارات كبيرة في الاقتصاد الإسرائيلي، وهذا أمر مهم للغاية”.
أما عن الإمارات فقد قال خبراء إن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين العدو الإسرائيلي والإمارات قد يمهد الطريق أمام بيع الولايات المتحدة مزيدا من الأسلحة للإمارات ويمنحها ما يوصف بـ”تفوق عسكري نوعي”.
وكان قد أعلن سفير الولايات المتحدة لدى العدو الإسرائيلي، ديفيد فريدمان، في تصريح صحفي: “كلما أصبحت الإمارات صديقة لإسرائيل وأصبحت شريكة لإسرائيل وأصبحت حليفا إقليميا للولايات المتحدة، أعتقد بوضوح أن هذا سيغير تقييم التهديد وقد يعمل في صالح دولة الإمارات” فيما يتعلق بمبيعات السلاح في المستقبل.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة قد تضمن حصول إسرائيل على أسلحة متطورة بشكل أكبر مما تحصل عليه الدول العربية، مانحة إياها ما يوصف بـ”تفوق عسكري نوعي” على جيرانها.
ومن بين الأمثلة طائرة “إف-35” التي تصنعها شركة “لوكهيد مارتن”، والتي يستخدمها العدو الإسرائيلي في معاركه.
وهدف الإمارات من تعزيز قوتها العسكرية كما يرى مراقبون, هو مواجهة التهديد الإيراني في المنطقة, وإبراز نفسها كقوة عسكرية متفوقة على إيران.
في حين تسعى الولايات المتحدة إلى ضم السعودية إلى “اتفاق أبراهام”، على غرار الإمارات والبحرين. وعملت إدارة الرئيس دونالد ترامب بكل ثقلها لإنجاح هذا المسار وتجسيد رؤيتها لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. وحث مايك بومبيو وزير الخارجية في مؤتمر صحافي مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الاثنين السعودية على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
وكان الاتحاد الأوروبي ومختلف الدول به قد رحبوا بالتطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، ولكن معظم الدول وكذلك الاتحاد ركزت في مواقفها على سياسة واضحة ضد سياسة العدو الإسرائيلي بمزيد من ضم الأراضي الفلسطينية، علاوة على رفض أي مساس بمبدأ حل الدولتين. وكان موقف أوروبا واضحا بالتركيز على حل الدولتين عن بعض الدول العربية مثل مصر والبحرين التي صفّقت مع تهميش لقضية حل الدولتين.
ويرى محللون أنه ورغم قوة اللوبي الإماراتي ماليا في أوروبا، لم ينجح في تحريك سياسيين ومثقفين لتثمين مبادرة أبو ظبي، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أجرى اتصالات بالرئيس الفلسطيني محمود عباس ودعاه لزيارة باريس لإجراء مباحثات مع التركيز على حل الدولتين.
كما كتبت جريدة لوموند الفرنسية في افتتاحية لها يوم 17 أغسطس/ آب، أن الاتفاق يعني تعزيز مواجهة تركيا وإيران مقابل تخلي بعض الأنظمة الملكية الخليجية عن القضية الفلسطينية، كما لا يلزم العدو الإسرائيلي بعدم ضم الأراضي الفلسطينية أو العودة الى المفاوضات السياسية من أجل حل الدولتين.
ويشار إلى أنه تم نشر تقرير لأوليفر هولمز من صحيفة الغارديان بعنوان “نشعر بالخذلان”، ويتناول بعض ردود الفعل الفلسطينية على تطبيع علاقات إسرائيل مع الدولتين الخليجيتين.
ويقول الكاتب إن التطورات الدبلوماسية الأخيرة بين إسرائيل ودول الخليج كشفت عن انقسامات في العلاقة بين الفلسطينيين والحكومات العربية، وأثارت تساؤلات حول إمكانية الاعتماد عليها لمناصرة القضية الفلسطينية.
وأضاف إنه على مدى سنوات، سعت إسرائيل إلى علاقات قوية مع العالم العربي، مع التركيز على دول الخليج القوية التي تشترك معها في عدو مشترك يتمثل في إيران.
أما على الساحة العربية, فقد شهدت جامعة الدول العربية إعتذارات عن تولي الرئاسة الدورية لمجلس الجامعة على مستوى وزارء الخارجية بعد اعتذار فلسطين عن استكمال الدورة الحالية التي تنتهي في مارس/آذار المقبل، في وقت تزداد فيه هوّة الخلافات في عدة ملفات رئيسية في مقدمتها الصراع العربي-الإسرائيلي.
ويرى مراقبون أن هذه الاعتذرات تعكس تراجعا في دور الجامعة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، في ظل اتساع الخلافات بين الدول العربية حول قضايا رئيسية أبرزها الصراع العربي-الإسرائيلي، والأزمات في سوريا، واليمن، وليبيا، وكذلك العلاقات مع تركيا، وإيران.
ختاماً: من المؤكد أن العالم العربي صابته الفوضى التي وعد بها, والمشروع الصهيوني تغلغل بأيدٍ عربية, ولعلّ تغير الإيديولوجية, وغسل الأدمغة, والإخفاء الممنهج للشخصية العربية, وجعلها خاضعة ومستعبدة بالخوف والجوع والحروب وانعدام الأخلاق, بدأ يجني ثماره الأخيرة للمشروع الصهيوني, ومن الجليّ تذكر خطاب رئيــس وكالــة المخابــرات الأمريكيــة (CIA) السابــق “جيمــس وولســي” حين أعلن: “سنصنــع لهــم إسلامــاً يناسبنــا, ثــم نجعلهــم يقومــون بالثــورات، ثــم يتــم انقسامهــم علــى بعــض لنعــرات تعصبيــة, ومــن بعدهــا قادمــون للزحــف وســوف ننتصــر”.