التفاوض حول أجندة التفاوض يعني أن طهران تعتبر عرض ترامب فكرة عامة أو أن «الأجندة الفرنسية» غير مقبولة.
التوجّه الأميركي استفزّ الروس في سوريا وأفرغ توافقات بوتين – ترامب في هلسنكي من فاعليتها
بقلم: عبد الوهاب بدرخان
حين قال المرشد الإيراني، أن لا تفاوض ولا حرب مع أميركا كان يقول في الوقت نفسه، أن لا خيارات إيرانية محدّدة للتعامل مع الأزمة ومعالجتها. السبب الواضح والمباشر أنها أزمة لا تُعالَج إلا إذا قرّرت إيران أن تعالج الاختلالات في استراتيجيتها.
وحين عاود وزير الخارجية الفرنسي تذكير طهران بأنها لا يمكن أن تتملّص من حوار موسّع لمناقشة مستقبل برنامجها النووي بعد سنة 2025 وبرنامجها الصاروخي وسياستها الإقليمية، كان يبلغها أيضاً أن رهاناتها على أوروبا ليست واقعية، لأن الخلافات المتراكمة بين الأوروبيين والولايات المتحدة لا تنفي وجود تقاطعات ثابتة في السياسات الخارجية لا علاقة لها بالنهج والأسلوب اللذين يحاول دونالد ترامب فرضهما على إدارته.
يتعامل الأوروبيون بقلق مع احتمالات انزلاق التصعيد الأميركي- الإيراني إلى مواجهات عسكرية، أما روسيا والصين فتبحثان في أي مواجهة عن فرص يمكن استغلالها، وأما واشنطن، فتعتبر أن خروج طهران عن أي إطار متوقّع للتصعيد سيكون مكلفاً، ولذلك فإن الإيرانيين سيتجنّبون ارتكاب أي خطأ يدفع الأميركيين إلى ردود تصاعدية.
لم يعد هناك غموض، ففي سوريا كما في العراق اتّضح أن الأميركيين ليسوا في صدد الانسحاب وأنهم يوظّفون بقاءهم لمراقبة الوجود الإيراني إضافةً إلى محاربة الإرهاب، وكثيرة هي المراجع التي ترى تلازماً، بل تكاملاً بين الهدفَين.
لكن هذا التوجّه الأميركي، بمعزل عن سيرورته وثباته، استفزّ الروس في سوريا، وأفرغ توافقات بوتين- ترامب في هلسنكي من فاعليتها، ما أطلق ردود فعل روسية كان يُعتقد أنها استُبعدت، ومنها ترجيح الحسم العسكري المدمّر في إدلب.
موجات العقوبات الأميركية المتزامنة التي ضربت روسيا وتركيا وإيران دفعت هذه الدول إلى تعديل خياراتها. فمن جهة أعطت موسكو إشارات إلى أنها لم تعد ملتزمة موافقتها المبدئية على إخراج إيران من سوريا، بل إنها غضّت النظر وربما شجّعت إيران والنظام السوري على إبرام اتفاق عسكري بغية توجيه رسالة إلى واشنطن مفادها أن الإيرانيين، على عكس المتوقّع، يرسّخون تغلغلهم في سوريا وعلاقتهم مع النظام.
من جهة أخرى، صحّت التوقعات بأن تستغلّ روسيا الأزمة المتفجّرة بين تركيا وأميركا لتضغط على أنقرة كي تتخلّى عن بعض خططها لتطبيع الوضع في إدلب (من دون معركة) وتتكيّف مع اجتياح قوات النظام والإيرانيين لهذه المحافظة، بالإضافة إلى ذلك، تعمل موسكو على بناء توافق بين الدول الثلاث في شأن الحل السياسي الذي تريده لسوريا.
وعلى مستوى استراتيجي بعيد المدى بدأت هذه الدول التفكير في تطوير علاقاتها لتتمكّن مع دول أخرى من تشكيل منظومة لمواجهة العقوبات الأميركية، لكن نقطة البداية ستكون بأن تلبي روسيا مصالح شريكتَيها في سوريا.
لا شك أن بروز الخلافات مجدّداً بين روسيا والولايات المتحدة أنعش لدى طهران بعض الآمال بتخفيف الضغوط عليها، لكنها لا تكفي لمساعدتها عملياً على تجاوز أزمتها أو حتى معالجتها، سواء بجوانبها المالية والاقتصادية، أو بتفاعلاتها الاجتماعية الداخلية.
ويبدو استبعاد الحرب المباشرة موقفاً بديهياً لطهران باعتبار أن الحروب بالوكالة قائمة ومستمرّة، أما استبعاد التفاوض، فيبقى أقرب الى المناورة منه الى الموقف المبدئي. ومع أن كل الردود الإيرانية العلنية رفضت التفاوض، إلا أنه لم يخرج من التداول، خصوصاً في القنوات الخلفية وعبر الوسطاء.
لذلك قال وزير الخارجية الإيراني أن «أي تفاوض يتطلّب أجندة»، وهذا ينطوي على أحد تفسيرات ثلاثة:
الأول، أن طهران تعتبر التفاوض الذي عرضه ترامب مجرد فكرة عامة.
والثاني، أن «الأجندة الفرنسية» ليست مقبولة.
أما الثالث، فهو أن طهران متمسّكة بأسلوبها المعروف، إذ تريد/ أو تدعو إلى التفاوض على الأجندة قبل اعتمادها.
لكنها تعلم أن ظروفاً كثيرة تغيّرت، ثم أنها قد تجد بالمقارنة، أن بنود الفرنسي جان إيف لودريان أهون بكثير من مطالب الأميركي مايك بومبيو.
* عبد الوهاب بدرخان كاتب وصحفي لبناني.
المصدر: صحيفة «الاتحاد» الإماراتية