كان من الطبيعي ان نشاهد بأعيننا خلال الأيام الماضية تلاشي شرعية النظام الحاكم في إيران او ما يُعرف بنظام الملالي وذلك كطبيعة لجملة المظالم التي تتعرض لها الطبقة الوسطى من الشعب خاصة مع تراخي أو لنقل فقدان القبضة الأمنية الإيرانية لمكانتها.
فالواقع السياسي والاجتماعي الإيراني حاليا مُحاط بسياج من التدمير وفقدان الثقة بين جميع الأطراف لا سيما مع تدمير وتآكل الطبقة المتوسطة لصالح نظام الملالي “الطبقة الحاكمة في البلاد” حيث يُلقي عليه باللائمة والمسئولية المباشرة عن تدهور الحياة هناك مما أفقدهم الكثير من المكانة التي يكان يحظى بها اغلبهم .
فالمتابع لجملة الاعتراضات الشعبية الأخيرة حول سوء الأوضاع المعيشية في ايران يُدرك سريعاً إلى أن الانتفاضات الشعبية ما هي إلا تعبير عن سوء الإدارة الاقتصادية وذلك بسبب الفساد المؤسسي، والذي يجب أن يتحمل النظام مسؤوليته .
فالجميع يعلم أن إيران تُعد من الواجهة الاقتصادية هي إحدى الدول الغنية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا خاصة وأنها إحدى الدول المُشكلة لمنظمة النفط الدولية “أوبك” ، لأنها تُنتج كميات مهولة قادرة علي الاكتفاء الاقتصادي للشعب الإيراني والذي لم يرى منه حتى الان سوى المجاعات والاقتصاد المتردي .
ولا يغفل المتابعون للوضع الإيراني أنه عقب ثورة 1979 الخمينية ، تمكن الإيرانيون من الاعتماد علي النفط كمنتج اقتصادي إضافة إلى الزراعة التي كانت منبعهم الأول للاقتصاد حيث باتت ايران
كياناً حديثاً لإنتاج النفط ، والذي حول الاقتصاد الإيراني، بأن جعل إيرادات النفط والغاز هي المصدر الرئيسي لأرباح النقد الأجنبي والإيرادات المالية للبلاد .
ولا يكتف الفساد الإيراني عند حد الاقتصاد فحسب ، فهناك ما هو أفظع يتمثل في الشكل السياسي للدولة التي تعتبر نظامًا سياسيًا هجينًا ، فالدستور الإيراني هو خليط هجين من العناصر الدينية والديموقراطية والاستبدادية ، فهي تسمى نفسها جمهورية إسلامية دستورية ، لكن الشكل الغالب عليها هي دولة ذات حكم ديني يسيطر فيها مجموعة من رجال الدين الشيعة والزعماء السياسيون الذين يضعهم رجال الدين على هياكل السلطة الرئيسية ، ويتزعمهم القائد الأعلى أو المرشد الأعلى للثورة الإيرانية ، ولذلك فلا عجب من إطلاق لفظ ” نظام استبدادي انتخابي” على ملالي إيران .
ومع قدوم ثورة الخميني 1979 ، تمكنت بمباركة بعض المنتفعين من الاستيلاء على الثورة وسحقت حلفاءها السابقين المعارضين كما أدخلت تغييرات عميقة داخل المجتمع الإيراني من خلال محاولة استمالة الطبقة المتوسطة في البداية للتأكيد علي عدالتها وان نظام الشاه كان يهملهم ويهمل الزراعة والتنمية الاقتصادية الريفية في جهوده لخلق تقليد المجتمع الحضري الأوروبي الصناعي في إيران ، ثم اندلعت حرب العراق ايران 1980-1988 والتي غيّرت الشكل العام للطبقة الوسطى التي أدت إلى نزوح سكان الريف نحو المدن مما أعطى فرصة للحكومة بتطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية من خلال إعادة بناء دولة دينية ذات مرجعية شيعية مركزية تربط بين المجموعة الاجتماعية الناشئة للحكومة من خلال الإعانات لتدمر الطبقة الوسطى التي تحاول إعادة نفسها في ظل أجواء غير صحية واقتصادية لتخيب آمالهم مع زيادة معاناة الطبقة الوسطى من فاتورة الحرب الباهظة التي استمرت ثمان سنوات وضغط وعزلة دولية متواصلة، فضلاً عن صراع أيديولوجي طاحن ، ليتصادم الثوار حول ما يشكل اقتصادًا إسلاميًا — وما إذا كان ينبغي أن يكون النمو أو العدالة الاجتماعية على رأس الأولويات
وخلاصة القول ، دفعت الطبقة المتوسطة ضريبة فساد النخبة الحاكمة في إيران من النواحي الاجتماعية التي أدت إلى ظهور انشقاقات بين المجال الحضري والمجال الريفي، بين الطبقات والجنسين، مما أدى إلى زيادة عدم المساواة فضلا عن التمييز الاجتماعي ، ليُترك عامة الشعب فريسة للفقر والبؤس والجهل مما حدا بالشعب إلى التعبير عن غضبتهم مؤخراً بظهور تلك الانتفاضات الأخيرة التي عمت أجزاء مختلفة من إيران وهي في الواقع تعبير عن سوء الإدارة الاقتصادية، وتفشي الفساد المؤسسي، وضرورة أن يتحمل الملالي مسئوليتهم عما أجرموا في حق الشعب الإيراني ، فهل تشهد إيران علاجاً فعالا لأزماتهم الاقتصادية المزمنة … هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة في جمهورية إيران.
أقرا/ي أيضا