- على المعارضة السورية أن تهيئ نفسها لمزيد من التنازلات الأميركية على المستوى السياسي.
- «سايكس بيكو» فتت بلاد العرب دون انفجارات طائفية أو قومية لكن أية محاولة جديدة للتقسيم ستحدث انفجارات غير مقبولة دوليا.
- انتصر النظام عسكريا دون استحواذ على الجغرافيا السورية ولن يسمح له بالاستحواذ على مقدّراتها الاقتصادية ليبقى عاجزا اقتصاديا.
- هدف أميركا القضاء على مكانة سورية إقليميا كمعبر جيواستراتيجي وإضعافها باستمرار السلطة الشمولية لا بقيام نظام ديمقراطي يعيد إنتاج الدولة والمجتمع.
بقلم: حسين عبد العزيز
لا يزال النظام في سورية والمعارضة ينظران إلى تطورات المشهد السوري من منظار الفوز والهزيمة:
- النظام يعتقد أنه انتصر، ومنع المعارضين والإرهابيين من السيطرة على الدولة، وأنه يحظى برضى دولي، وإن لم يظهر ذلك على المستوى الرسمي،
-
المعارضة الرسمية والشعبية تعتقد أن المجتمع الدولي غدر بالثورة المسلحة، لكنه لن يتخلّى عن الثورة السياسية ومطالبها، وإن بدا متراخيا على المستوى الرسمي حيال هذه المطالب.
هذه الرؤية هي التي تجعل الطرفين يرفضان أنصاف الحلول، ويتمسّكان بمواقفهما الحدّية، ولم يدركا أن مطالب كل منهما لن تتحقق كاملة، وإنما سيتم تحقيق جزءٍ منها:
- المعارضة تتعامل مع الثورة السورية من منطلق قيمي أخلاقي، فتطلق أحكاما وجوبية ـ معيارية، وفق ما ينبغي أن يكون،
-
أما النظام فينطلق من واقعية مفرطة، خالية من أي محتوى أخلاقي، فيطلق أحكاما وجودية، وفق ما هو قائم، بناء على موازين القوى، مفتقدا، في قاموسه، فكرة الحقوق والعدالة وسيادة القانون.
منذ بداية عام 2013 إلى نهاية عام 2015، كانت الساحة العسكرية تموج بالتقلبات المتناقضة، فثمة أشهر تظهر فيها غلبة المعارضة، ثم لا يلبث أن يحدث العكس، فيقوى النظام وتضعف الفصائل المسلحة، إلى أن يحدث العكس ثانية، وظل هذا الوضع على ما هو عليه، إلى أن حدث التدخل العسكري الروسي بتفاهم أو برضى أميركي في سبتمبر/ أيلول 2015.
بدا منذ ذلك الحين، أن ثمّة حقائق واضحة، لم تنتبه إليها المعارضة، أو أنها انتبهت إليها، لكن زمام الأمر فلت من يدها، وأصبح بيد الدول الخارجية:
- أولاها أنه لن يسمح بإسقاط النظام عسكريا، على غرار ما جرى في ليبيا.
-
ثانيتها أن المعارك بين الطرفين يجب أن تستمر إلى مرحلةٍ تصبح فيها البلاد مدمرة عن بكرة أبيها، وأن سورية ذات الثقل الاستراتيجي لن تكون موجودةً على الخارطة الإقليمية.
-
ثالث الحقائق أن الولايات المتحدة غضّت الطرف عن التثوير الطائفي والقومي المسلح، فسمحت للتيار السني الجهادي والسلفي بالامتداد داخل سورية، بينما غضت الطرف عن تمدد التيار الشيعي، بكل حمولاته العسكرية والأيديولوجية.
تمّت تغذية النزعات القومية والطائفية بين أطياف المجتمع السوري، ومورست سياسات أميركية ساهمت بنشوء وعي سني سياسي/ عسكري زائف ومخالف للواقع، وبنشوء فورة قومية لدى الأكراد مخالفة أيضا لمقتضيات الجغرافيا المحلية والإقليمية.
انتقال الولايات المتحدة من مرحلة توازن الصراع بين الطرفين السوريين إلى مرحلة تغليب طرف على طرف عسكريا، لم يكن بسبب قناعات سياسية بهذا الطرف (النظام).
وإنما لأن الأمور وصلت إلى حدٍّ لم يعد يُسمح الاستمرار به، فالمطلوب تفتيت الدولة السورية، ونشوء شبه كيانات فيها، ولكن ضمن إطار الوحدة الجغرافية السورية.
وأية محاولة لدفع «سايكس بيكو» جديد إلى الأمام ستؤدي إلى ارتدادات عكسية، ذلك أن «سايكس بيكو» الحالي حقق دوره في تفتيت الدول العربية، من دون أن يحدث انفجارات طائفية أو قومية أو إثنية، في حين أن أية محاولة جديدة للتقسيم ستؤدي إلى انفجار طائفي ـ قومي، غير مقبول دوليا.
من هنا، كان لا بد من انتصار النظام عسكريا، من دون أن تكون لديه القدرة على الاستحواذ على الجغرافيا السورية، على الأقل في هذه المرحلة، كما لن يكون مسموحا له الاستحواذ على المقدّرات الاقتصادية للبلاد، بحيث يبقى في عجز وأزمة اقتصادية.
ليس هدف الولايات المتحدة نشر الديمقراطية، وتحقيق دولة القانون والعدالة الاجتماعية، ولم تكن تلك القيم هدفا سياسيا أو أيديولوجيا للولايات المتحدة، بقدر ما هي أداة للتدخل الخارجي، أو سلطة خطاب موجهة للداخل الأميركي.
الهدف الأميركي هو القضاء على مكانة سورية الإقليمية التي شكلت معبرا جيواستراتيجيا في المنطقة.
وبعدما تحقق هذا الغرض، لا بد من استمرار سورية ضعيفة، وهذا لا يكون بقيام نظام ديمقراطي يعيد إنتاج الدولة والمجتمع، وإنما باستمرار السلطة الشمولية وفق أشكال جديدة. ولذلك على المعارضة أن تهيئ نفسها لمزيد من التنازلات الأميركية على المستوى السياسي، كما فعلت على المستوى العسكري.
- حسين عبد العزيز كاتب وإعلامي سوري.
المصدر: «العربي الجديد»