- هل تخترق مسقط تفكير إدارة ترامب، وتُخرج المنطقة من تطبيع الأزمة المتوقع لو فشلت قمة الخريف.
- واشنطن راغبة بشدة بعودة وساطة مسقط مع طهران وتترسخ فكرة الضغط السياسي لا الحرب العسكرية.
بقلم: مهنا الحبيل
تقف قضايا الخليج المركزية وربما مستقبله الاستراتيجي اليوم، بين مساري التوتر القائم، المواجهة السياسية والاقتصادية الشرسة بين واشنطن وطهران، واستمرار التوتر في الأزمة الخليجية، حيث لم يُحدد حتى كتابة هذا المقال موعد مؤرخ لعقد القمة الخليجية، التي أكدت عليها الدبلوماسية الأميركية أكثر من مرة.
وإن كان استخدام مصطلح الخريف بدلاً من سبتمبر، ربما عكس حاجة واشنطن لمرونة أكبر لتأجيل القمة إلى حين نضوجها، وتنسيقها ضمن مصالح واشنطن الكبرى، واحتواء الطرف الخليجي المستاء، إذا اعتبرنا أن الحاصد الضخم للأزمة كان واشنطن، والأطراف الإقليمية والدولية الأخرى وتل أبيب بلا شك.
أما دول المحور التي راهنت على انتصار سياسي ساحق، تخضع له قطر ليعوضها فشل الاجتياح العسكري، فلا يوجد أي دليل عليه مطلقا، بل العكس!
فخسائر دول المحور واسعة على صعيد العلاقات مع قطر، ورسائل الأزمة لأطراف البيت الخليجي، ثم شبكة توترات داخلية وعربية ودولية واسعة، حين سيطر مزاج التصعيد في الأزمة على سلوك هذه الدول وورطها، مع عدة عواصم.
وفي ظل هذه الاشتباكات الصعبة انفجرت قضية الاتفاق النووي، وأسقط ترامب بالفعل، نسخة اتفاق أوباما وأوروبا مع إيران، لكن منذ أول لحظات الإعلان أظهرت واشنطن نواياها.
وانتهت قصة الحرب التي كانت تراهن عليها دول المحور، ثم أعطى ترامب تصريحين لسعيه لاتفاق تجاري، يعزز فرص أميركا الاقتصادية مع إيران.
حينها بدا أن الترحيب بمهمة مسقط الجديدة كان أكثر من اعتيادي، وأن طريقة استقبال الدبلوماسية الأميركية للوزير المخضرم، يوسف بن علوي المعروف بعقد اتفاقات اللحظة الأخيرة بين الغرب وإيران.
إضافة لمهام الدبلوماسية العمانية الخاصة بفلسفة السلطان قابوس، تعني أن واشنطن راغبة وبشدة وليس قابلة وحسب لعودة هذه الوساطة، وبالطبع ترسخ هنا فكرة الضغط السياسي لا الحرب العسكرية.
ومنذ ذلك الوقت صمتت المصادر عن التفاصيل، ورغم نفي طهران إلا أن من المتوقع، أن تكون فرق الإعداد اللوجستي للمفاوضات الأميركية الإيرانية عبر مسقط، قد قطعت شوطاً أولياً فيها، وهو ما جرى في رحلة المفاوضات الأولى في الاتفاق النووي الملغى أميركياً، فرحلة 15 شهراً في لوزان السويسرية، سبقها لقاءات تنسيقية مهدت لها مسقط.
وبالتالي فاستمرار التوتر والتصريحات لا يعني بالضرورة أي مؤشر، لوقف المفاوضات السرية، غير أن هناك سؤالاً مهماً للغاية في هذه القضية، لماذا يتحمس الأميركيون على مفاوضات طهران ووساطة مسقط فيها، ولا يتحمسون لإنهاء الأزمة الخليجية؟
إنّ هذا الواقع يعكس مؤشراً خطيراً في قضية تطورات الأزمة، وهو يزداد صعوبة باعتبار أن ملف الدبلوماسية الأميركية، لا يمكن أن يُعتمد عليه دون ربطه بموقف ترامب وحجم المزاجية المتقلب فيه، كما أن وجود مساحة غير اضطرارية لواشنطن، في مقابل المزيد من الابتزاز لطرفي الأزمة، يُعزز هذه النزعة عند ترامب.
بالطبع هناك تحدٍ استراتيجي يتموضع اليوم أمام واشنطن، فعربدة ترامب منذ مطلع الأزمة إلى عقوبات تركيا، تعزز زحف التقاطع التحالفي الجديد: 3+1» أو موسكو وطهران وأنقرة ثم بكين، والأخيرة بذاتها مشروع زحف ذاتي ضخم، لكن ذلك لا يمنع من أن تتحد الصين مع موسكو في استراتيجيات إقليمية في الشرق.
إن المنطقة تمر بمخاضٍ جديد، وهذا الرصد موجود غربياً وفي واشنطن على التحديد، وبالتالي هناك ضغط من فريق المؤسسات حتى بعد أن أُسقط تيلرسون، لاستعادة واشنطن مكانتها، غير أن ترامب بذاته ومجمل الاتفاقيات الأميركية الأخيرة مع قطر، ترى أن دول المحور قد تبلغت تفعيل اتفاق قاعدة العديد، والذي بضوئه لن تكون هناك أي مساحة تفكير لعمل عسكري قادم، وكل ما يروج خارج هذا التقدير لا أساس منطقي له.
غير أن هذا الواقع الذي تسببت به واشنطن هش جداً، ومن هنا فإن هناك مساحة متوقعة جداً ليوسف بن علوي بن عبدالله، وزير الخارجية العماني، لتحقيق ثغرة بقبول ورغبة أميركية، تكون ضمن إنهاء أو خلال المفاوضات للتمهيد للاتفاق النووي الجديد، والحقيقة أنه اتفاق تجاري لا نووي، فهدف ترامب هو حصيلة أكبر لا تأمين نووي قد أنجر من قبل مع طهران.
ومن خلال الاستقراء الدقيق للحراك العماني، نجد أن مسقط لا تبادر بعملية التدخل المباشر، حتى لو طُلب منها التوسط، فركيزة تقديراتها تقوم على ضمان أن مساحة دخولها في أي مسعى، لن تؤثر في تأمين الحياد الأمني والسياسي والاستراتيجي لحدودها القومية، فهذه مساحة حسّاسة جداً لدى العقل العماني.
أما المعيار الثاني، فهو وجود قاعدة قبول بالحد الأدنى لمساعيها، وتوتر موقف أبو ظبي ثم انحياز الرياض الكلي لأبوظبي، والذي أعقب خلافاً طويلاً حول علاقة عُمان مع إيران، عزز إحجام مسقط عن الدخول.
هناك متابعة دقيقة صامتة، وهناك تواصل حيوي بين الدوحة وبين مسقط في منعطفات الأزمة، إضافة إلى دعم عُمان لوساطة الشيخ صباح، ومؤخراً نقلت عُمان جرحى من المقاومة اليمنية والشرعية إلى تركيا عبر مسقط، بالتنسيق المؤكد مع الحوثي والحكومة الشرعية.
ومسقط تضر بها تطورات الفوضى الشاملة في اليمن، والذي بات اليوم الضغط بحل سياسي يتعزز دوليا، ويُعتقد أن مسقط قادرة على رعاية حل بين الحوثيين والرئيس هادي، لكن كيف تقتنع الرياض المستقلة عن أبوظبي تلك قصة أخرى.
ربما يكون تعقد الموقف في حرب اليمن، والإنهاك للبعد الإنساني الذي تورطت فيه قوات التحالف كما هي قوات الحوثي، وبالتالي الضغط أميركيا هنا، يتجه لتسوية إقليمية عربية، تَدخل أزمة الخليج فيها ضمن الحسابات الدولية الكبرى.
فهل تنجح مسقط في اختراق بنية تفكير البيت الأبيض الجديد، وتُخرج المنطقة من مشروع تطبيع الأزمة، الذي تلوح أفقه لو فشلت قمة الخريف.
- مهنا الحبيل كاتب عربي مستقل مدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي – إسطنبول.
المصدر: الوطن القطرية