بقايا اللبوة المنحوتة
بقلم : ـــ أحمد عزت سليم … مستشار التحرير
الشيخ جميل كان يراقب عبده البلقينى منذ أن تحول إلى حنه ستيللا ودخل بيت العفاريت وأخذ إبراهيم الدهليز يتابعه حتى صورته فيكتورينو وجرجرته عائدة به إلى بيت العفاريت ثم سكن جامع الخبى بلباسه الأخضر الجديد ورأى حنه وفيكتورينو يلتقيان بآرام دار بينما مائير بينت يوزع عليهما المواد المفجرة والمواد المساعدة على الانفجار والشيخ جميل من يومها كلف إبراهيم الدهليز بجماعة حنه وتفرغ هو لمعاونة ناصر فى أعماله . الليل الآن أتى خالصاً وأضواء الأسكندرية صامته وفليب هرمان ناتاسون يخرج من سينما ريو وقد ارتسمت فى ذهنه الكراسى التى سيضع تحتها المتفجـرات ، زواياها وارتفاعتها وقربها وبعدها ، وحتى إذا انفجر ماتحتها تلتهم النار ما فى قاعة السينما وتذهب بهم دفعة واحدة إلى جهنم التى هى أكبر من الأرض بستين مرة ، وإبراهيم الدهليز يتابعه ولا يتركه أبداً حتى إذا رآه وهو يدخل باب السينما وقد جهز عبواته ووضعها فى جيوب جاكتته ، قرب إبراهيم الدهليز مصدراً حرارياً كبيراً ناحية جيوبه فانفجر جيبه الأيمن والتفت رواد السينما إلى فليب الذى سيطر على إيقاع ذاته المضطرب ، تحكم فيما تبقى معه ، تراجع بهدوء شديـد ، ساد الرواد الهرج وطلع إبراهيم الدهليز وراء فليب حتى وصل إلى باب شقته ، وجد عازرا وليفى فى انتظاره طلعوا إلى القاهرة وإبراهيم الدهليز وراءهـم ، عرف موضعهم أبلغ الشيخ جميل ، أسرع موسى ليتو إلى فيكتور سعاديا ، أعطاه الأوامر بتفجير مكتب الاستعلامات الأمريكى ، انفجرت سينما ريفولى وراديو.. سيطر الشيخ جميل وإبراهيم الدهليز على الانفجارات ، طلعت الجروح على الرماد وتهيأت للنور وراحت للضوء تعشق الوطن ، وجد فيكتور سعاديا وعبده دافون وفيكتورينو وموسى ليتو وشموئيل عازار وفيكتور ليفى وفيليب ناتاتسون وروبير نسيم داسا وماير يوسف زعفران وماير شموئيل ميوحاس ، قد طلع عليهم موج الميادين والشوارع والحارت وانسابت الأرض بالقمح والنخيل وتوحدت مع النيل الذى ثار فيضانه إلى السماء ، فانقض الشيخ جميل وإبراهيم الدهليز عليهم طوقهم ، لحق المسيا بآرام دار قبل أن ينقض عليه الشيخ جميل ، طاراً معاً ، هربا إلى خارج البلاد. لم يستطع مائير بينت أن يتحمل الموج وانسياب الأرض بالقمح والنخيل غافل الحراس وانتحر ، إعدام كل من موسى ليتو وشموئيل عازار ، احتوى السجن الآخرين.
وجدت حنه ستيللا نفسها وحيدة تدخل رطوبة الظلام هى وعم زوزو ولا يقدران على أن يخرجا من البيت إلا ليلا لإحضار الطعام ، تركا عبده البلقينى وحده فى جامع الخبى ، ارتدى عم زوزو لباس ماكس بينت الأسود وارتدت مثله حنه وهجرا البيت ، سارا إلى وادى النطرون ، أُطعما هناك ، انطلقا إلى ليبيا ، طارا إلى قبـرص ، ومنها إلى مملكة الرب على الأرض ومعهما ابنتها عزيزة .
خاف الناس من بيت العفاريت المهجور ، وعبده البلقينى عاماً وراء عام يجلس فى جامع الخبى ويدور حوله فى الليل والنهار ولما لم يأت الشيخ جميل ولا إبراهيم الدهليز وعندما اشتدد الليل ولم تتصل به حنه ولا عم زوزو ، اشتاق إلى حارة اليمانى ، طلع بلباسه الأخضر ورائحة البخور تخرج من بين يديه وتسبقه ، والتسابيح تلف وجهه المتلاشى ، أخذ يخترق حارة اليمانـى ، والشحاذون من حوله يهربون ويصيحون الولى قادم .. الولى قادم .. ولما دخل بيت العفاريت بلا خوف ولا وجل ورآه بلا حنه ولا عزيزة ولا عم زوزو وبقايا اللبوة المنحوتة قد تعفنت رائحتها وارتخت السقوف المدببة وقد تهالكت جدرانها الجيرية وبقايا شعر ماعز وقرون كباش وبوق محطم وعظام كلاب مسفوحة الدماء ومجزورة الرءوس وأيقونه فارغة وشموع مدعوكة فى التراب والنجوم لا تعد ولا تحصى تتطلع إليه من علٍِ ، صرخ .. وصرخ وأخذ يلتف حول نفسة والشحاذون والفتوات يقولون الولى صرع العفاريت ، تجمهر الناس حول المنزل ، أخذ الغبار يشتد ويشتد والناس تُكبر : الله أكبر .. الله أكبر ، كان عبده البلقينى يحاول أن يتخلص من العفاريت ، لما لم يفلح ، خرج من وسط الغبار والناس تتمسح فيه ، لم يذهب إلى جامع الخبى ، ذهب إلى بيته ، خلع ملابسه ، استحم وتطهر ، جلس وحيداً فى غرفتـه ، تمدد فيها حتى مات .
اطلق الناس اسم البلقينى على حارة اليمانى وصارت حارة الولى عبده البلقينى .
موضوعات تهمك: