بقلم : ـــ أحمد عزت سليم … مستشار التحرير
يؤكد الفكر الأصولى أيا كان نوعه العقائدى وأيا كانت منطقته الجغرافية فى العالم على امتلاك الحقيقة المطلقة فى التصرف والسلطة والحكم والفكر والخلاص والتفسير ورفض ما يخالفه من أفكار ومبادىء سواء على المستوى الفردى الشخصى أو الجماعى أو الحياة المجتمعية العامة وبما تشكل فى مجملها نصا وسلوكا مقدسا يجب اتباعه والاقتداء به ومخالفته كفرا بينا ويتحدد موقف الأشخاص والأفراد ومكانتهم فى النسق الاجتماعى على ضوء الإيمان به ، ولتصير السياسة دينا والاقتصاد دينا والعلم دينا والرياضة دينا ، والمكونات الأساسية للأصولية كما حددها الفليسوف جارودى هي : ــــ
ــ الجمودية ورفض التكيف والنمو ــ العودة الى الماضي والانتساب إليه وانتهاج الفكرالمحافظ ــ عدم التسامح والانغلاق والتحجر المذهبي والتصلب والعناد .
وفى إطار ذلك فإن الأصولية ترفض إعمال العقل والإبداع والفكر والمشاركة وتعتمد على السمع والطاعة والانقياد والتبعية غير المشروطة للقيادات الدينية والتى تصبح ذاتها مقدسة وفوق النقد كلية وغيرقابلة للنقاش ورفض أية تفسير تنويرى واجتهادى جديد للنص الدينى والتمسك بالمباديء الأساسية ودون غيرها وبشكل انغلاقى يمتلكون النص والتحكم فيه ، وهو ما يتبدى فى دعوة تنظيم داعش إلى إعادة كتابة بعض آيات القرآن الكريم، وإعادة ترتيب البعض الآخر ، وحذف بعض الآيات ، التي يزعم أنصار التنظيم أنها محرفة وغير صحيحة وكما يزعمون أن الآيات التي يرغبون في حذفها وضعها رجال دين محرفون لخدمة أديان وطوائف أخرى كالمسيحية والإيزيدية والشيعة وبعض الفرق الصوفية السنية وأن سور القرآن التي يريد تنظيم ” داعش ” تغييرها تشمل سورة “الكافرون : ــــ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ” .. و” أية التطهير ” : ـــ إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ” (الأحزاب 33) .
وحتى يصل أبو الأعلى المودودى فى حديثه عن الحكومة الإسلامية وعن الديمقراطية إلى أن : ـــ ” الحاكم الحقيقي في هذه الحكومة هو الله ، والسلطة الحقيقية مختصة بذاته تعالى وحده. ويترتب على ذلك أن ليس لأحد من دون الله, حق في التشريع … والقانون الذي جاء من الله, هو أساس الدولة الإسلامية”… والحكومات التي لا تحكم بما أمر الله , لا يجب طاعتها .. وأن الديموقراطية هنا مقيدة بسلطان الله, عكس الثيوقراطية المسيحية المستندة لطبقة من الكهنة , تشرع للبشر حسب أهوائها وأغراضها … في حين أن الحكام بالدولة الإسلامية يكتفون بتنفيذ القانون الإلهي. هم نواب عن الحاكم الحقيقي … وكل من قام بالحكم على الأرض , إنما هو خليفة الحاكم الأعلى ، ويرجع البعض ظهور مصطلح الأصولية تاريخيا إلى بروز الأصولية الحديثة في الغرب كحركة بروتستانتية إبان القرن التاسع عشر بعيد مؤتمر نياجرا 1895، الذي انعقد وقتها بقصد إحياء الأفكار المتعلقة بعقيدة المجييء الثاني للمسيح المنتظر مجيئا حرفيا حقيقيا ….. وهذه الإصولية الدينية ــ كما تعرفها – الموسوعة الأمريكية للفنون والعلوم ــ هي كل أيديولوجيا تدعو إلى تسييس الدين وإقامة نظام سياسي مبني على تعاليم إلهية .ويعتبر رئيس تحرير مجلة نيويورك وتشمان إكسامينر الأمريكية أول من قدم المصطلح فى إفتتاحية المجلة فى عدد يوليو عام 1920 حيث عرف الأصوليين بأنهم أولئك الذين يناضلون بإخلاص من أجل الأصول وتأتي جذور حركتها من كلية برنستون اللاهوتية بسبب إرتباطها بخريجي تلك المؤسسة وقد مهدت لصك هذا المصطلح كتيبات حيث كلف إثنان من أعضاء الكنيسة الأغنياء سبعة وتسعون من قادة الكنيسة المحافظين من كل أنحاء العالم الغربي بكتابة مجلداتها ونشراتها سميت بـ « نشرات الأصول وخلفاؤهم المباشرون » ، و صدرت في الفترة من 1910 إلي 1915 واستخدم فيها مصطلح ” الأصول أو الأساسيات ” وبلغت إثني عشر مجلدا وتم توزيع أكثر من 300000 نسخة مجانية للخدام والآخرين ممن لهم دور في قيادة الكنيسة . واعتمدت هذه المطبوعات علي المبادئ الآتية : ـــ أصول الإيمان، مهاجمة تيار نقد الإنجيل، نقد عناصر نظرية التطور بالتفسير الحرفي للنص الديني واستخدم فيها مصطلح الأصول ليعنى العقيدة التقليدية الحرفية أي النص كوحي وسلطة معصومة ، وألوهية المسيح ومعجزة إنجاب مريم العذراء وغيرها من الثوابت التي يراها الأصوليون المسيحيون اليوم ، وفى المعاجم الحديثة كلمة أصولية يعرفها قاموس لاروس سنة 1966 بكيفية عامة جداً : ـــ ” موقف أولئك الذين يرفضون تكييف العقيدة، مع الظروف الجديدة ” ، أما لاروس سنة 1979: ـــــ ” استعداد فكري لدى بعض الكاثوليكيين الذين يكرهون التكيّف مع ظروف الحياة الحديثة ” …. وسنة 1984 ظهر لاروس الكبير ووضعها داخل حركة دينية فـ ” الأصولية موقف جمود وتصلب معارض لكل نمو أو لكل تطور ” …. ثم يضيف جاعلاً الكلمة تتعدى نطاق المجال الديني : ـــ ” مذهب محافظ متصلب في موضوع المعتقد السياسي ” … ولا يذهب أبعد من ذلك لاروس 1987: ــــ ” موقف بعض الكاثوليكيين الذين يرفضون كل تطور ، عندما يعلنون انتسابهم إلى التراث ” ، كما يرى جان ديبوا ومن هذه التعريفات يمكن استخلاص المكوِّنات الأساسية للأصولية : ــ
1 ــ الجمودية “رفض التكيّف” و “جمود معارض لكل نمو، ولكل تطور .
2 ــ “العودة إلى الماضى “و”الانتساب إلى التراث” والمحافظة النمطية عليه .
3 ـــ عدم التسامح، الانغلاق، التحجّر المذهبي : ـــ ” تصلب ” ” كفاح ” ، “عناد “ .
موضوعات تهمك:
الفكرالغربي الآن ما بين قداسة الأصولية الغربية بالإستنكار والتقنين