بقلم: أحمد عزت سليم … مستشار التحرير
عندما أفاقت حنه تذكرت فندق مينا هاوس أسرعت إليه وجدت فى انتظارها البارون شامير منشه ، أخبرته بحملها ، أعطاها مظروفاً للطوارئ وارد توا من موشيه ، وأضاف شامير منشه : أن بولياكوف يأمرك فى حالة غياب موشيه وعدم استطاعته العودة إلى مصر أن تتبعى التعليمات التى فى المظروف حتى يأتى إليك رينيه ويوسف ، ابتعد عنها شامير منشه ، ولم تعرف هى بعد من هو رينيه ولا من هو يوسف ؟
أخذتها أضواء المينوارة وأطلت من عرشها على العالم الذى يلهو تحت قدميها العاريتين …
لم تكن حنه تتوقع أن يستولى الجيش على السلطة فى مصر ، وأن تنقطع عنها أخبار موشيه موصيرى ، ولا أن يحضر لها رينيه ويوسف ، إنها الآن وحيدة فى غرفتها بالفندق ، ضاق العالم من حولها إلا من راديو إسرائيل ، كانت ليلاً ونهاراً تضع مؤشر الراديو على إذاعته ، انزعجت عندما جاء بيان مجلس الوزراء الإسرائيلى وهو يهاجم الملك وباشواته الذين جروا مصر إلى حروب لا جدوى منها وأخذها العجب ، ألم تكن هذه الحروب هى التى أقامت دولة الرب ؟ !! وألم يساعد أغلب هؤلاء الباشوات فى قيام دولة الرب ، ثم فرحت عندما دعا ابن جوريون حركة الضباط إلى الاستعداد عن الصفح ونسيان الماضى لكن العالم الذى يلهو تحت قدميها العاريتين لم يتبق منه غير حروف منفرطة تخرج من راديو متهالك مع حملها المتصاعد من بطنها 0
انتظرت حنه ، والحمل يتصاعد ويرتفع ويتزايد ، يضيق عليها المكان والأخبار مقطوعة ، لا صوت ولا حتى هسيس الحروف المنفرطة من المذياع ، فتحت حنه المظروف وجدت فيه تعليمات الإقامة بنقرة صابحة ، أسرعت حنه ، جمعت حقائبها تركت القاهرة ، ذهبت إلى بيتها المرسوم هناك فى النقرة ، انفتحت البوابة وبان من الداخل على الجدران عازفة هارب راكعة على ركبتيها وعم زوزو يقوم بتنظيف اللوحة الكبيرة حتى استبانت لها الأهرامات وأبو الهول وستائر الحرير الملون المطرز بالقصب وقد بانت عليها الطراوة ، عرفها عم زوزو بنفسه بأنه هو رينيه وأنه فى النقرة زوزو وأنه خادمها من طرف بولياكوف ، ارتاحت فرحت ، اتسع العالم من حولها بعض الشىء ، تمددت على الأريكة ، تنهدت ، لم تسأل أين يوسـف ، راحت فى نوم عميق حتى صباح اليوم التالى .
عندما صحت كان عم زوز قد جهز لها حمامها وبان لها البيت لأول مرة رائعاً ومهيباً وعلى الحوائط تصاوير عتيقة تفوح منها رائحة زيت بذرة الكتان وزيت التربنتينة ، فأمرت عم زوزو بتهوية البيت حتى تستعيد التصاوير رائحتها الطبيعية ، كانت حنه جائعة تتوق للطعام ، عم زوزو لم ينتظر أن تأمره بإحضاره ، كان قد ملأ المائدة بأشهى أنواع المأكولات … أسرعت حنه قضمت شيئاً من خبز وابتلعت بعضاً من العسل ، واتجهت إلى الحمام لتزيل عنها عرق أيامها المجهدة ، وجدت كل شيء معداً ومدهشاً ، كان عم زوزو يعرف حتى مقاسات ملابسها الداخلية والألوان المحببة لها ، أعد لها كل ما تحتاج ، عندما ارتدت ما تحب وخرجت ، كان عم زوزو فى استقبالها كأنها ملكة متوجة قد ظهر على وجهها قضيب من النور ، فراح ينحنى أمامها وهو متقدم بخطوات منتظمة حتى أوصلها إلى حجرة الطعام ، عندما رأت التفاح المنغمس فى العسل انذهلت ، تذكرت فجأة أنها فى عيد رأس السنة أخذت البوق ونفخت فيه ثلاث نفخات بثلاثة أصوات مختلفة ، عم زوزو ينحنى ويغنى لها : فليكتب اسمك واسم مولودك فى سجل الحياة السعيدة … تقدمت نحو المائدة وأكلت من التفاح المغمس بالعسل وإذا برأس خروف مشوية تتصاعد روائح التوابل منها ، انفتحت شهيتها وراحت تأكل وعم زوزو واقف بين يديها ، كلما همت بشىء سبقته يداه إليها فتأكل وتشبع ثم تشرب الكثير من الخمر وشرعت ترقص مع حروف المذياع التى انسلت إلى مخدعها حتى طلعت نجوم الليل عليها وهى تسند رأسها على وسادتها ، أغلقت عينيها ونامت.
موضوعات هامة:
لماذا تمكث التماسيح طويلا تحت الماء؟!