بقلم : ـــ أحمد عزت سليم … مستشار التحرير
على الرغم من التطور العلمى الكبير والمستمر الذى يشهده العالم الأن ، وعلى الرغم من أن الكثير من المؤسسات العلمية العربية تشهد فى الواقع كثير من الوصول إلى المعرفة العلمية وملاحقة تطورتها التقنية والنظرية ، إلا أنه مازالت المجتمعات العربية وبمختلف مؤسساتها تتعامل مع التطور من منطلق المظهرية والشكلانية وبإستهداف الحفاظ على إستمرارية سلطاتها المتعددة سياسيا وإجتماعيا وإداريا أو من منطلق المنفعة الرأسمالية الإقتصادية ، وبالرغم أنه خلال العقود القليلة الماضية ، برز هدف هام للعلم يتمثل فى : ـــ إيجاد طريقة لاستخدام الموارد الطبيعية بشكل رشيد لضمان استمراريتها واستمرارية البشرية نفسها وبما يشكل بقوة مسعى لإستمراية المجتمع وتقدمه في الحياة العالمية وعرف ذلك بمصطلح “ الاستدامة ” ، والتى تعنى كمصطلح بيئي يصف كيف تبقى النظم الحيوية متنوعة ومنتجة مع مرور الوقت ، والاستدامة بالنسبة للبشر هي القدرة على حفظ نوعية الحياة ونظمها الحيوية والتي نعيشها على المدى الطويل وهذا بدوره يعتمد على حفظ العالم الطبيعي والاستخدام المسؤول للموارد الطبيعية ومع الإستخدام الأمثل لكل ذلك ، وبما يضمن البقاء الحيوى البشرى وبيئته وموارده وحفظه مستمرا بإنتاجياته وتنوعاتها ، ومع فاعليات منهجية من السياسة والتخطيط والقوانين والتشريعات والاقتصاد التجارة والصناعة والتكنولوجيا والبيئة والهندسة المدنية والعلوم البيئية والعلوم بكل أنواعها كالفلسفة والعلوم الاجتماعية ، وإمتداد إلى الحفاظ والوصول إلى مصادر الطاقة المتجددة وتقليل انبعاثات الكربون وحماية البيئة والمحافظة على توازنها على الارض وبما يعنى أن الاستدامة تهدف إلى حماية بيئتنا الطبيعية والصحة البشرية والطبيعة ، وفي نفس الوقت إستمرارية الإبداع البشرى فى الإبتكارات التى لا تؤثر على طريقة معيشتنا وبيئتنا المجتمعية الوطنية والوجودية بكل مستوياتها الرأسية والأفقية .
ومن هذا المنطلق فإن تقدير المجتمعات العربية للعلم وقيمته أصبح ضرورة وجودية لأمتنا العربية ، ليس من أجل رفع رايات السلطات من أجل تأييد الرأى العام لهم وكسب الرضا الإجتماعى الوطن ، ولكن من منطلق أن تطبيق المعرفة العلمية بشكل حقيقى وعملى يستهدف الحفاظ على الوجود وإستمراريته والإبقاء على الحضارة البشرية بمواجهة التحديات التى تواجه مجتمعاتنا العربية في جميع مستويات المجتمعات العربية ، وصولا إلى العدالة المستدامة التى تحقق الرفاهية والمساواة في تمتع المواطن العربى بإحتياجاته المادية البشرية وبالغذاء والموارد الصحية والتكنولوجيات الجديدة وتطوراتها وبالحرية ، وكما أكد العلماء من أمثال العالم الفيزيائى البريطاني جون د. بيرنال بأن : ـــ ” العلم يجب أن يساهم في تلبية الاحتياجات المادية للحياة البشرية العادية وأنه يجب التحكم فيه مركزيًا من قبل الدولة لتعظيم فائدتها . ” .
وقد إنتقد العديد من العلماء في أوربا النهج من أمثال فالنترول بمحاولة أوربا إستخدام النهج النفعي الحديث الإلزامى والواضح للعلم كمظهر اجتماعي سياسي واقتصادي بالتحول الذى حدث في سياسة البحث الأوروبية في إطار ما يسمى إطار تمويل ” Horizon 2020 أو H2020. ، وهي مبادرة رائدة في أوروبا 2020 تهدف إلى ضمان القدرة التنافسية العالمية لأوروبا ” والتى أكدت أن الحجج الاقتصادية توضع صراحة قبل جميع الأسباب الأخرى ومما يؤدى إلى أن : ـــ ” تكون أوروبا في خطر من اتخاذ خطوة إلى الوراء في إجبارها على أن تصبح رائدة في العالم الاقتصادي بأي ثمن . ” .
وكما يؤكد العديد من المؤسسات العلمية العالمية على تطبيق المعرفة العلمية فقد أعلنت مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية أن مهمتها هي :ـــ ” تعزيز تقدم العلم للنهوض بالصحة الوطنية والازدهار والرفاهية ؛ لتأمين الدفاع الوطني… ” ، وكما أكدت الوكالة اليابانية للعلوم والتكنولوجيا ( JST ) أنها : ـــ ” تشجع على خلق الفكر ومشاركة الفكر مع المجتمع وإنشاء بنيتها التحتية بطريقة متكاملة وتدعم توليد الابتكار ” ، وأكد العالم ميتشيهارو ناكامورا بالوكالة اليابانية في رسالة رئيسه أن : ــ ” اليابان تسعى إلى خلق قيمة جديدة تستند إلى العلم والتكنولوجيا المبتكرة والمساهمة في التنمية المستدامة للمجتمع البشري بما يضمن القدرة التنافسية لليابان ” ، وهذا يبين الفرق المصلحى بين الفرق بين برنامج H2020 الأوروبي الذى يعطي أولوية صريحة للتنافس الاقتصادي والنمو الاقتصادي ، في حين يضع كل من النهج اليابانى والأمريكى تفانيهم في المعرفة والفكر وتحسين المجتمع في المقدمة ، وبما يتناقض النهج الأوربى مع وجهة النظر ” الليبرالية ” التى تدعو لها والقائلة بأن :ــــ ” العلم يمكن أن يزدهر فقط وبالتالي يمكنه فقط منح أقصى الفوائد الثقافية والعملية للمجتمع عند إجراء البحث في جو من الحرية ” ، وعلى سبيل المثال ، كان اكتشاف انبعاثات الليزر في عام 1960 مشروعًا علميًا صارمًا لإثبات مبدأ فيزيائي تنبأ به آينشتاين في عام 1917، وأعتبر الليزر عديم الفائدة في ذلك الوقت على أنه ” اختراع في البحث عن وظيفة ” ولكنه أثبت فائدته للمجتمع البشرى .
فإلى متى ستظل الأنظمة العربية تتعامل مع العلم والمعرفة العلمية كأداة وراية شكلية دعائية لتأمين إستمراريتها في السلطة وكسب إستمرارية التأييد الشعبى لها ، ودون إعتبار لمستقبليات الوجود في الحياة البشرية بقوة متمكنة .