قلة ضئيلة كونت ثروات هائلة بالدولرة والمضاربة في العملة، فتضاعفت ثرواتهم مرات مع كل خفض للجنيه المصري أمام الدولار واستفادت واحتفت بالانهيار الاخير للجنيه المصري.
بقلم: محمد سيف الدولة
على امتداد عقود طويلة وبالتحديد منذ نهاية حرب 1973، شاركت كل اطياف المجتمع فى كل المعارك الوطنية، منذ رفض التبعية المصرية للأميركيين (1974ـ2018)، واتفاقيات كامب ديفيد (1978-1979)، والتطبيع مع (اسرائيل) ومناهضة الغزو الأميركي للعراق، ودعم المقاومة الفلسطينية، حتى معركة الدفاع عن مصرية تيران وصنافير.
شارك الجميع فيها، فيما عدا فئة واحدة لم يظهر منها ولو شخص واحد يوحد ربنا، ويُضبَط متلبسا بالوطنية (!) في أي معركة وطنية، هي فئة رجال الأعمال التى تسمى فى الكتابات المتخصصة بالطبقة الرأسمالية المصرية.
لم يكتفوا بالتزام الصمت والسلبية وعدم المشاركة، بل على العكس تماما، كانوا يقفون وينحازون على الدوام الى الاطراف والمواقف غير الوطنية.
بل كانوا هم الطابور الخامس الذى اخترقت من خلاله قوى الراسمالية العالمية بقيادة الأميركيين والشركات متعددة الجنسية ومؤسسات الاقراض الدولى، مصر لتدمير اقتصادها الوطنى ونهب ثرواتها.
وكانوا هم ايضا الثغرة التى اخترقت منها (إسرائيل) الأسواق المصرية وحائط المقاطعة الشعبية من خلال اتفاقيات وصفقات البترول الغاز والكويز والشتلات الزراعية والسياحة وغيرها، وكل هذا بالطبع بتوجيه ومباركة الدولة المصرية.
كل النقابات المهنية والعمالية والاحزاب السياسية والمفكرين والكتاب والفنانين المصريين وقفوا ضد التطبيع مع (إسرائيل)، إلا رجال الأعمال فقط الذين وقفوا منفردين فى صف الدولة يعقدون الصفقات مع العدو الصهيونى ويترددون على سفارته ويشاركونه فى الاحتفال بأعياده القومية.
وهم يدينون فى جزء كبير من وجودهم للولايات المتحدة الأميركية التى كان لها الدور الابرز فى اعادة تأسيس وبناء طبقة رأسمالية مصرية، من خلال اموال المعونة الاقتصادية التى كانت تبلغ 815 مليون دولار.
بما فى ذلك برنامج الاستيراد السلعي الأميركي والتى تم من خلالها ترسية مئات الصفقات والعقود بتسهيلات خيالية على نخبة مختارة من رجال الاعمال والشركات المصرية الذين أصبحوا اليوم يتصدرون السوق المصرى ويستأثرون بالنصيب الاكبر من ثروات البلاد، على حساب عشرات الملايين من فقراء المصريين.
الغالبية العظمى منهم مجردة من أي مبادئ أو قيم وطنية، طلاب مصلحة يعبدون المال وينافقون أي سلطة وأي نظام وعلى استعداد للتعاقد من الشيطان نفسه اذا كان في ذلك أي ربح ومكسب.
كانوا هم رأس الحربة فى ضرب الصناعات الوطنية بعد أن تحول قطاع واسع منهم الى سماسرة واصحاب توكيلات يبيعون الأسواق المصرية للمنتجات الأجنبية.
اشتروا شركات من القطاع العام وقاموا بتفكيكها على طريقة وكالة البلح فى تفكيك السيارات (المسروقة) وبيعها قطع غيار.
استحوذوا على آلاف الافدنة من الدولة بثمن بخس، وحولوها إلى قروض وتمويلات من البنوك (أحيانا قبل ثمنها البخس) بمئات الاضعاف من ثمنها، ثم الى منتجعات سكنية وسياحية تباع وحداتها بملايين الجنيهات.
استولوا على قروض البنوك بأقل ضمانات أو بضمانات وهمية ومزورة.
كونوا ثروات هائلة عن طريق الدولرة والمضاربة فى العملة، لتتضاعف ثرواتهم عدة مرات مع كل تخفيض للجنيه المصري أمام الدولار.
بل كانوا هم القلة الضئيلة الوحيدة فى مصر التي استفادت واحتفت بالانهيار الاخير للجنيه وسط معاناة وصرخات غالبية المصريين من كل الطبقات.
ضللوا الناس ونجحوا فى اختراق ثورة يناير وركبوها بأموالهم وصحفهم وقنواتهم الفضائية، ليكونوا فيما بعد في طليعة الثورة المضادة.
إنهم الطابور الخامس الحقيقى فى مصر ولا أمل لهذ الشعب الطيب طالما يسيطر هؤلاء على اقتصاد البلاد ويستأثرون بثرواتها وينهبون خيراتها.
* محمد سيف الدولة باحث كاتب في الشأن الصهيوني
المصدر: ذاكرة الأمة