بعد توليه مقاليد الحكم، عين ترامب العديد من الأصوليين ضمن إدارته، ما جعل المحافظين يرون فيه “المنقذ”.
بقلم: هادي خودابانده لوي
تمر قرارات السياسة الخارجية الأميركية قبل صدورها بآلية ضخمة ومعقدة، حيث يقبع البيت الأبيض، ووزارتا الدفاع والخارجية في مركز آلية صنع القرار، في حين يؤثر فيها عدد من اللاعبين الآخرين، مثل مراكز البحوث الاستراتيجية، والجامعات، والمسؤولين رفيعي المستوى السابقين، فضلا عن مجموعات رؤوس الأمواال.
ويمكن ملاحظة تأثير تحالف المحافظين الجدد، واليمين المسيحي، والصهيونية الأميركية على السياسة الخارجية الأميركية بشكل كبير، خاصة فيما يتعلق بتحديد شكل هذه السياسة تجاه الشرق الأوسط.
فهذه الأطراف تملك أهدافا مشتركة حول السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط والأزمة الفلسطينية الإسرائيلية، إذ تهدف إلى ضمان أمن إسرائيل، وتأمين تفوقها الإقليمي على دول الجوار، وتعزيز سيطرة الولايات المتحدة على النفط الخليجي.
كما يسعى هذا التحالف من خلال الاعتماد على موقع الولايات المتحدة المهيمن على تعزيز سياسات البلاد الأمنية كضرورة للحفاظ على موقعها الدولي، بما في ذلك إجراء هجمات احترازية ضد الدول التي تشكل تهديدا على رؤية الولايات المتحدة وأهدافها.
ويعمل التحالف في الوقت ذاته على تعزيز انتشار القيم الأميركية حول العالم، ومراقبة تبني الدول لتلك القيم، وممارسة الضغوط ضد الدول بشكل يتناسب مع مستوى تطبيقها للقيم.
ومنذ أواسط سبعينيات القرن الماضي، أخذ تأثير تيار الأصولية المسيحية الأميركية يتزايد، فيما يخص تحديد شكل السياسة الخارجية المتبعة حول الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية.
وكان دور الأصولية المسيحية منذ تلك الفترة مقتصرا على الضغط على الإدارة الأميركية بهدف تأسيس دولة يهودية في فلسطين، حيث لعبت ثورة الاتصالات فيما بعد دورا في تراجع المسيحية التقليدية، مقابل تعزيز انتشار الجماعات الأصولية في الثقافة الدينية الأميركية.
وبفضل التغييرات الكبيرة التي طرأت منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي، بدأت الكنائس تتقدم من الأطراف نحو المركز، لتأخذ دورا في تحديد شكل الأحداث السياسية والاجتماعية.
“الشعب المنقذ”
يعود تاريخ مجتمعات الأميركان البيض الأولى إلى مرحلة تأسيس الولايات المتحدة، حيث برزت هذه المجتمعات بالتنظيم الشخصي والعمل المكثف، من خلال اعتقادها بأن الأصولية المسيحية ترى في شعب الولايات المتحدة شعبا مقاوما لباقي شعوب العالم، إذ تصفه بأنه “الشعب المنقذ”، “والأمل الأخير”.
ومع تطور العلم، وظهور الدولة العلمانية العصرية، وتقدم القيم المادية في المجتمع، والجدل الذي أثارته نظرية التطور، أخذ دور الكنيسة بالتراجع.
وبالرغم من مساهمة هذه التطورات بنهاية الربع الأخير من القرن التاسع عشر في بلورة عقيدة “المبشرين”، وظهور عدد من رجال الدين البروتستانت، لم تتمكن الأصولية المسيحية من أداء دور فعال في الحياة السياسية الأميركية حتى سبعينيات القرن الماضي.
وبدأ هذا الوضع بالتغير مع أواخر السبعينيات، حيث أفضى استطلاع للرأي عام 1977، إلى أن أكثر من 70 مليون أميركي يعتقدون بأنهم على علاقة مباشرة وشخصية مع السيد المسيح عليه السلام، وأنهم يعتبرون أنفسهم “مسيحيين وُلدوا من جديد”.
وأصبحت الكتب الخاصة بعودة السيد المسيح، وتخليصه للبشرية، من أكثر الكتب انتشارا في تلك الفترات.
دخول الأصولية في عالم السياسة
مع ازدياد انتشار الأصولية في المجتمع الأميركي، بدأت الدخول في عالم السياسة بدعم من الحزب الجمهوري، حيث أدى تراجع الحزب إثر عدم قدرته على إيجاد حلول لمشكلات الولايات المتحدة الجديدة، إلى دفع الجمهوريين المحافظين للتوجه نحو الحركات الدينية.
وأدى ازدياد تأثير الزعماء الأصوليين في هذه المرحلة، وتبنيهم مواقف محافظة تجاه حقوق النساء، والإجهاض، والمثلية، إلى الظفر بتأييد ملايين الناخبين من اليمين المسيحي.
ونتيجة لذلك، فاز الجمهوريون في 4 من أصل آخر 6 انتخابات رئاسية، كما حافظوا على دورهم الفعال في مجلس الشيوخ، ومجلس النواب خلال هذه الدورات.
ورغم إحراز الديمقراطيين نجاحات اقتصادية كبيرة خلال رئاسة كلينتون للولايات المتحدة، إلا أن الناخب الأميركي اختار فيما بعد بوش الذي نجح في توجيه أنظار الناخبين إلى الفضائح الأخلاقية في عهد كلينتون.
ولعب الناخبون المحافظون الذين يتركز تواجدهم في الولايات الجنوبية من البلاد، دورا مهما في انتخاب الرئيس جورج بوش آنذاك.
وتميز عهد بوش بأحداث هامة مثل احتلال أفغانستان والعراق، فضلا عن أداء البلاد الاقتصادي الضعيف، أعقب ذلك خسارة الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة.
رأت الأصولية التابعة للجمهوريين في القرارات التي اتخذها (الرئيس الأميركي السابق باراك) أوباما في مجالات الهجرة، وحقوق الأسرة والنساء، تهديدا للموقع المميز للأميركيين البيض البروتستانت.
وأطلق المبشرون انتقادات حادة ضد سياسات أوباما، كما أطلق الحزب الجمهوري حملة مكثفة بهدف فوز الحزب بالانتخابات الرئاسية مجددا.
ولجأ الحزب الجمهوري في انتخابات عام 2016 إلى استراتيجية شبيهة بتلك التي اتبعها في انتخابات عام 2001، حيث روج لفكرة أن الولايات المتحدة شهدت انحطاطا أخلاقيا في عهد أوباما، وأنها ستواصل الانحطاط في حال انتخاب هيلاري كلينتون.
واختار الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية شعار “من أجل شعب قوي من جديد”، حيث فاز بالانتخابات بعدما وعد البيض البروتستانت بالحفاظ على مواقعهم المميزة، ومنع اتخاذ القرارات الليبرالية في مجال حقوق الأسرة، وتبني شعار “أميركا أولا” فيما يخص السياسة الخارجية، والارتقاء بالولايات المتحدة إلى القمة مجددا.
وبعد توليه مقاليد الحكم، عين ترامب العديد من الأصوليين ضمن إدارته، ما جعل المحافظين يرون فيه “المنقذ”، ولا شك أن أهم الأسماء في فريق ترامب، هو نائب الرئيس مايك بنس.
إن صعود بنس من حاكم ولاية صغيرة مثل إنديانا، إلى منصب نائب رئيس البلاد، يشير بمعنى آخر إلى حجم صعود اليمين المسيحي ضمن صفوف الحزب الجمهوري.
ويعتقد الزعماء المبشرون أن مايك بنس ساهم في إعادة المسيحية المحافظة إلى موقعها المستحق في مركز الحياة الأميركية.
وقال رئيس مدارس المبشرين الجنوبيين ريتشارد لاند، في تصريح لمجلة “ذا أتلانتيك”، إن بنس سياسي حوّل رؤية التبشير المسيحي إلى سياسة دولة.
أما بالنسبة إلى الخبير الاستراتيجي السابق في البيت الأبيض ستيفن بانون، فإن بنس يعتبر صلة الوصل بين إدارة ترامب وجناح المحافظين في الحزب الجمهوري.
ويمتلك بنس ثقلا كبيرا في البيت الأبيض، فضلا عن كونه من أهم الأسماء الفعالة في مجال الأمن القومي، وهو في الوقت ذاته صاحب دور فعال في السياسة الخارجية.
ويعتقد بنس الذي كان من أشد مؤيدي احتلال العراق، أهمية دور الجيش القوي في نشر القيم الأميركية، كما يعرف عن نفسه باستمرار بأنه “مسيحي، ومحافظ، وجمهوري”، ومن المعروف بأنه لعب دورا مهما في قرار نقل سفارة بلاده إلى القدس.
المصدر: الأناضول