يرى الروائي الكبير سامي ميخائيل ان سبب اهتمام العراقيين بروايته “فكتوريا” كونها رواية عراقية على الرغم من انها كتبت باللغة العبرية وخارج حدود العراق. وعندما ترجمت الرواية للمرة الاولى الى العربية في القاهرة جاء في المقدمة انها رواية عربية كتبت باللغة العربية. استسغت هذا الوصف. ان ترجمة الرواية الى عدة لغات يتيح لى الفرصة للقاءات مثيرة للعواطف مع عراقيين في كل انحاء العالم. ويرى ميخائيل ان رواية فكتوريا ليست رواية السيرة الذاتية، لاشك انني اعتمدت خلال الكتابة على ذكريات عائلية متنوعة غير انني سعيت الى تصوير أحد جوانب يهود العراق، مثلما فعلت في روايات سابقة تدور خلفيتها واحداثها في العراق، من اعمال سامي ميخائيل: “متساوون ومتساوون أكثر” (1974)، “حماية” (1977)، “هذه قبائل إسرائيل” (1984)، “فيكتوريا” (1993) صدرت باللغة العربية عام 2005 عن دار الجمل، “الجناح الثالث” (2000)، “حمام في ترافلجر” (2005)، “عايدة” (2008)
هل تعتبر روايتك “فكتوريا” هي سيرتك الذاتية؟
ان رواية فكتوريا ليست رواية السيرة الذاتية، لاشك انني اعتمدت خلال الكتابة على ذكريات عائلية متنوعة غير انني سعيت الى تصوير أحد جوانب يهود العراق، مثلما فعلت في روايات سابقة تدور خلفيتها واحداثها في العراق، منها “عاصفة بين النخيل” و “حفنة ضباب” و”حب بين النخيل ” و”عايدة”.
تتمتع الطائفة اليهودية في العراق بأهمية تاريخية بالغة، واعتقد ان الديانة اليهودية تبلورت بشكلها النهائي في العراق حيث اكتسبت منه طابعها الزراعي، فلا عجب ان جميع الاعياد اليهودية تعكس تقلبات الطبيعة في العراق، فقد تمت كتابة التلمود البابلي في العراق، كما ان العديد من الشخصيات في الكتاب المقدس مصدرها في العراق مثل ابراهيم عليه السلام وعزرا السوفير(الكاتب) وغيرهم من الانبياء مثل يونا ويحزقيال. لم يشهد اي مكان في العالم علاقة وثيقة ومستمرة مثل تلك التي تميزت بها العلاقة بين الديانة اليهودية وبلاد الرافدين.
ثمة نصوص في الرواية درستها في محور وعي الذات، عملت فيها على تعرية الحركة الصهيونية من المفاهيم التاريخية والحضارية(لاسيما الاخلاقية) في استياء داود من مبعوث الوكالة ومقترحاته.. ما يؤيد ما ذهبت اليه؟
يؤكد سامي ميخائيل ان تمرد داود يعكس وجهة نظري شخصيا. فالحركة الصهيونية لا تزال تحاول تغذية ايديولوجيتها عن طريق محو انجازات اليهود في دول العالم على مر العصور. ووفقا لمفهوم الصهيونية فان اليهودي لا يمكن ان يكون كامل الاوصاف او مرموق المكانة إلا في اسرائيل. هذا في نظري تسويف وإنا اعارضه. ان النبي موسى عليه السلام لم ينشا في اسرائيل ولا فرويد او اينشتاين وكذلك الفلاسفة وعمالقة الفكر مثل سبينوزا وابن ميمون. لاشك ان يهود العراق ساهموا في تطوير بيئتهم التي عاشوا فيها كما ساهموا في اثراء الديانة اليهودية . في بداية العشرينات من القرن الماضي توجب على زعماء الطائفة اليهودية الاختيار بين امرين فوقع الخيار على تبني الهوية العراقية بدلا من الايديولوجية الصهيونية. ان غالبية يهود العراق لم يغادروا بمحض ارادتهم. ان هجرة اليهود الجماعية للعراق تحققت بسبب تعاون مشترك بين الحركة الصهيونية ونظام الحكم الفاسد الذي حكم البلاد في تلك الفترة.
في السادسة والعشرين من عمرك بدأت في الكتابة باللغة العبرية ، ترى ما سبب ابتعادك عن الكتابة باللغة العربية في وقت مبكر من حياتك؟
في السنوات الست الاولى في اسرائيل كتبت باللغة العربية بل وكنت عضوا في هيئة التحرير في جريدتي الاتحاد ” و” الجديد ” جنبا الى جنب مع اميل حبيبي. كنا خمسة اعضاء في هيئة التحرير. فبالإضافة الى عملي كمحرر في الجريدة ، كانت لي زاوية خاصة بي. نشرت مقالات، وقصصا بقلم “سمير المارد ” ثم تحولت الى الكتابة باللغة العبرية ايمانا مني بان على الكاتب الكتابة باللغة التي يعيش فيها. فلو كنت انتقلت للعيش في انجلترا لكتبت باللغة الانجليزية، ولو كنت قد بقيت في العراق لكتبت باللغة العربية. ان الخروج عن هذا النهج قد يسبب الاحباط لدى الكاتب وعلى سبيل المثال مصير الكاتب سمير نقاش الحزين ،الذي عانى من الاحباط ،حيث اعتبره الاسرائيليون كاتبا عربيا بينما اعتبره العرب كاتبا اسرائيليا وبالكاد قرأ له اي من الطرفين. انا اعتقد ان الكاتب يجب ان يؤثر ولذلك عليه ان يكتب باللغة التي ينطق بها الاشخاص الساكنون على مقربة منه.
مالفرق بين الادب العبري والادب الاسرائلي والادب اليهودي؟
يقولسامي ميخائيل: الادب العبري هو الادب الذي كتب اصلا باللغة ألعبرية سواء داخل اسرائيل او خارجها او قبل قيام الدولة او بعدها. اما بالنسبة للأدب الاسرائيلي فهو ينحصر في الادب العبري الذي يكتب فقط داخل اسرائيل. ولأسفي الشديد وحتى يومنا هذا لا تقبل النقابة الرسمية نقابة الكتاب العبريين في إسرائيل كتاب عرب اسرائيليين وكتاب يهود يكتبون بلغة غير العبرية .اما الادب اليهودي فيشمل الادب الذي كتب على ايدي يهود في جميع انحاء المعمورة. وهناك الكثير من الكتاب العمالقة الذين نشأوا في الاندلس وأوروبا وروسيا السوفيتية والولايات المتحدة. ويعتبر الكاتب شالوم درويش من رواد النثر العراقي باللغة العربية وحظي بنقد ايجابي لدى نشر مجموعته القصصية في بغداد ” بيضة الدجاجة”.
روايتك فكتوريا كتب عنها الكثير من المقالات وكذلك كتبت عنها رسالة ماجستير في جامعة بغداد.. برايك ما سبب اهتمام العراقيين بهذه الرواية؟
حسب رأيي يعود اهتمام العراقيين بالرواية “فكتوريا” لكونها رواية عراقية على الرغم من انها كتبت بالعبرية وخارج حدود العراق. وعندما ترجمت الرواية للمرة الاولى الى العربية في القاهرة جاء في المقدمة انها رواية عربية كتبت باللغة العربية. استسغت هذا الوصف. ان ترجمة الرواية الى عدة لغات يتيح لى الفرصة للقاءات مثيرة للعواطف مع عراقيين في كل انحاء العالم. الحقيقة انفعلت لدى صدور الطبعة الجديدة لروايتي فكتوريا باللغة العربية في العراق. وفي مقابلة بهذه ألمناسبة مع صحيفة هآرتس، جاء ردي : ” يسألني العديد اذا كنت اعتزم زيارة ألعراق وإذا بروايتي فكتوريا تسبقني اليه ،حيث نشرت في بغداد مسقط رأسي ومصدر الهامي. والحقيقة ان فكتوريا عادت لزيارة موطنها. ولاشك ان تخطي انتاجي الادبي حواجز الريبة والعداء طويلة الامد مثيرا لمشاعري. وكلي امل ان يكون هذا الانتاج سفيرا لتعميق التفاهم والتقارب .” تلقيت العديد من الجوائز والأوسمة التقديرية على هذه الرواية وانا لا انسى ابدا في هذا ألمقام ان الشخص الذي يتلقى هذا التكريم يهودي نشأ في العراق وملامح وجهه شرقية. فلا عجب ان يلمس القارئ العراقي لدى قراءته الرواية تواصلا روحانيا مع مضامينها.
هل تروادك فكرة الحنين لزيارة بغداد ؟ واذا حصلت زيارة لك ما هو اول مكان تزوره؟
لو تحققت الاحلام لكنت طلبت قضاء الاسبوع الاخير من ايامي في هذا الكون في بغداد استنشق فيها رائحة دجلة ثم اتمعن في وجوه ابناء وبنات اصدقائي الذي قتلوا بالرصاص او اعدموا او لاقوا حتفهم في السجون من مسلمين ومسيحيين ويهود- لقاء الشعب العراقي.
حوار مع سامي ميخائيل أجراه مازن لطيف علي.
- المصدر: الحوار المتمدن
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة