المعطيات الدولية الجديدة لفرض السيطرة الغربية على العالم
أداة مبررة لفرض الحصار وتدمير البنية التحتية الغربى للدول كما حدث فى ليبيا من قبل حلف شمال الاطلسي بحجة دعم الثورة الليبية ضد القذافى، في مقابل تواطؤ وخضوع الاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان للهيمنة والتفرد الأمريكي في رسم وإدارة سياسات ومصالح العولمة الرأسمالية في معظم أرجاء هذا الكوكب، وفي بلداننا العربية والإقليم الشرق أوسطي خصوصاً، لإعادة ترتيب المنطقة .
الشرق أوسطية وتفكيكها وإخضاعها بصورة غير مسبوقة للسيطرة الأمريكية، وعبر دور متجدد تقوم به دولة العدو الإسرائيلي في محاولتها لضرب وتصفية قوى المقاومة في فلسطين ولبنان بصورة بربرية، وتحت مسميات حقوق الإنسان والدفاع عن الإقليات يدخلون الآن لتوظيفها لتفتيت الشعوب العربية ودعم حركات التطرف، ويبين الخبير الإستراتيجي الإسرائيلي الصهيوني تسيفي مزائيل سفير تل أبيب السابق لدى القاهرة فى دراسة إسرائيلية ونشرها المركز الأورشليمي للدراسات السياسية والإستراتيجية.
عن السعى الصهيونى فى تفكيك الدول العربية وتهديدها بالأقليات مثل قضية الأكراد في العراق وتركيا، باعتبارها مجالاً خصباً للتدخل الإسرائيلي، في ملف الأقليات بمنطقة الشرق الأوسط وفي قضية الأقباط في مصر، باعتبارها الورقة الرابحة للضغط على مصر للالتزام باتفاقية “كامب ديفيد” التي تقيد مصر وتمنعها من ممارسة كامل سيادتها على أرضها وكذلك على قرارها السياسي، والأمازيج في دول شمال أفريقيا, حيث أشار فى دراسته، إلى أن هؤلاء عاشوا طوال القرون الماضية تحت (الاحتلال) العربي، على الرغم من أنهم (السكان الأصليون) في شمال أفريقيا،
التي تضم الجزائر والمغرب وليبيا، وفى دعوة لتأييد سعيهم للاستقلال والانفصال. ولقد أدى إفراغ ميثاق الأمم المتحدة من مضامينه التي أجمعت عليها دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية على أثر هزيمة النازية، إلى أن أصبحت الأمم المتحدة -اليوم- غير قادرة على ممارسة دورها السابق الذي تراجع بصورة حادة لحساب التواطؤ مع المصالح الأمريكية ورؤيتها السياسية، بحيث أصبحت هذه العلاقات محكومة لظاهرة الهيمنة الأمريكية المعولمة، أو لهذا الفراغ أو الانهيار في التوازن الدولي الذي أدى إلى بروز معطيات جديدة في هذا الكوكب من أهمها:
1- تم إسقاط العديد من القواعد المستقرة في إدارة العلاقات الدولية، حيث دخلت هذه العلاقات تحت الإشراف المباشــر وغير المباشر للولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها الأحادية.
2- تحولت أقاليم عديدة في هذا الكوكب إلى مسارح إستراتيجية مضطربة، بدأت، أو أنها في انتظار دورها على البرنامج، وهي مسارح أو أزمات مفتوحة على جميع الاحتمالات وفي جميع القارات كما جرى في يوغسلافيا أو البلقان وألبانيا والشيشان وبعض بلدان العالم العربى الآن، وما أصاب هذه البلدان من تفكك وخراب أعادها سنوات طويلة إلى الوراء، وكذلك الأمر في إندونيسيا وأزمة بلدان آسيا الاقتصادية والسياسية، وفي الباكستان والهند وبنغلادش وسيريلانكا، وفي أفريقيا: الصومال وجيبوتي وموريتانيا والكونغو وغيرها، وصولا إلى بلدان أمريكا اللاتينية وتزايد الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فيها، بدءاً من المكسيك إلى كوبا إلى الأرجنتين وكولومبيا والبرازيل. وفي منطقتنا العربية تتفاقم هذه الأزمات، حيث يتفجر صراع الوجود بيننا وبين العدو الصهيوني من جهة، و تتفجر الأزمات الداخلية والصراع الدموى في العراق والجزائر والسودان ومصروليبيا وسوريا واليمن بين الأوطان والقوى الإرهابية المسلحة والمدعومة من الأمبريالية العالمية، إلى جانب الاحتلال الإمبريالي الإجرامى الصهيونى لفلسطين.
3- إضعاف وتهميش دول عدم الانحياز ، ومنظمة الدول الأفريقية، وجامعة الدول العربية، و منظمة الدول الإسلامية، وكافة المنظمات الإقليمية التي نشأت إبان مرحلة الحرب الباردة والتي تفقد اليوم بوصلتها ودورها.
4- إسقاط المنطقة العربية و دورها ككتلة سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي ، و تجريدها من أي دور سوى الخضوع السياسي واستمرار تأمين المواد الخام ، وإقامة القواعد و الأحلاف العسكرية وفق ما حددته التوجهات والمخططات الإمبريالية الأمريكية لمنطقتنا العربية ، و نكتفي هنا بالإشارة إلى المجالات الرئيسية لهذه التوجهات طالما بقي الوضع العربي على حاله الراهن:
أ- تزيد تفكيك الدول العربية بتأجيج الصراع الداخلى والمسلح وضرب البنى الأساسية للدولة ومقوماتها وتفتيتها كما فى النموذج السورىوالعراقى والليبى .
ب-استمرار عملية التسوية والتطبيع مع إسرائيل و الدول العربية ، وفق الشروط الإسرائيلية – الأمريكية من ” واي بلانتيشن” إلى “خارطة الطريق” وصولا إلى “خطة شارون/أولمرت” الهادفة إلى إنهاء المشروع الوطني الفلسطيني بعد تحطيم ثوابته و أركانه الأساسية و مقوماته التاريخية و الشرعية الدولية .
ج-استمرارتدمير العراق لضمان السيطرة على ثروته النفطية ، وإخضاعه للسياسات الجديدة وتعريضه لمحاولات التفتت الداخلي، علاوة على إخضاع وتكريس تبعية معظم الدول العربية الأخرى بل وعمالة بعضها الفاضحة للنظام الأمريكي وحليفه الصهيوني . وكما هو متضح بقوة فى إدخال التنظيم الإرهابى داعش إليه .
د-استمرار الهيمنة أو السيطرة المباشرة على الخليج و الجزيرة العربية كمنطقة نفوذ أمريكية بصورة شاملة و كلية واستخدامها كمثبط لهمم الأنظمة الوطنية وممول لحركات ضربها وتفكيكها لصالح الهيمنة الأمريكية .
هـ – الوقوف في وجه أي إمكانية لأي شكل من التحالفات أو التكتلات العربية الاقتصادية و السياسية إذا حملت في طياتها حداً أدنى من التعارض مع مشروع الهيمنة الأمريكي والأهداف والمصالح الصهيونية .
و- فرض السياسات الاقتصادية وفق مقتضيات الخصخصة وأيديولوجية الليبرالية الجديدة عبر مركزية دور القطاع الخاص في إطار تحالفه العضوي مع البيروقراطية العليا أو النظام الحاكم المعبر عن الطبقة السائدة في بلادنا، خاصة وأن القطاع الخاص في بلادنا العربية قد تحول- إلى حد كبير- إلى جهاز كومبرادوري كبير في خدمة النظام السائد ونظام العولمة الإمبريالي في آن واحد، بعد أن ألغى هذا القطاع ( الخاص ) ـ في معظمه – كل علاقة له بالمشروع التنموي الوطني أوالقومي بل وتفريغه من أية محتوى إنتاجى إستراتيجى إلى المحتويات الاستهلاكية والخدمية بل والأقل جودة وصلاحية عن مثيلاتها الأخرى عالميا واستخدامه كأداة تهريب للنقد إلى خارج الدول وتهريب الممنوعات والنفايات إليها وإعادة تصنيعها بها والقيام بالمشروعات المضرة بالبيئة داخل بلادنا بالإضافة إلى تجنيد العملاء من الداخل وتوطين العملاء من الخارج بداخل البلاد ، وأصبح همه الوحيد الحصول على الربح ولوعلى حساب مصالح وتطور وحياة مجتمعاتنا العربية واستقلاله الاقتصادي.
ى- دعم دولة العدو الإسرائيلي كركيزة إمبريالية متقدمة في المنطقة تضمن استمرار حماية كافة المصالح الأمريكية والغربية في بلدان وطننا العربي، بل وصارهذا الكيان الصهيونى يتمتع بتأييد القوى العربية العميلة والدفاع عن مصالحها ومناهضة المقاومة العربية والدعوة إلى حصار هذه المقاومة فى الأوساط العربية المتنوعة الرسمية وغير الرسمية حيث ترى هذه الأنظمة أن المقاومة خطر عليها بالتساوىمع الكيان الصهيونى.
وكما يقول “بات روبرتسون: لم يعد النظام العالمي الجديد مجرد نظرية، لقد أصبح وكأنه إنجيل.” وبات واضحاً أن تطبيق مبدأ “القوة الأمريكية” وبمشاركة أوروبية ساهم بصورة مباشرة في تقويض النظام الدولي في عالمنا المعاصر، خاصة وأن حالة القبول أو التكيف السلبي بعد أن فقدت دول العالم الثالث عموماً -عبر أنظمة الخضوع والتبعية- إرادتها الذاتية وسيادتها ووعيها الوطني، وكان استسلام معظم هذه الدول أو رضوخها لقواعد و منطق القوة الأمريكية، مسوغاً ومبرراً “لشرعية” هذه القواعد من جهة ، والصمت المطبق على ممارساتها العدوانية في كثير من بقاع العالم، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من جهة أخرى،.
كما يجري اليوم في بلادنا عبر تحكُّم العدو الصهيوني في مستقبل قضيتنا الوطنية، ومحاولته المشاركة في السيطرة على مقدرات شعوبنا العربية كلها، بعد أن أصبح النظام العربي في معظمه مهمشاً وفق شروط الهيمنة الأمريكية المتجددة التي جعلت دور الدولة في بلادنا -كما في بلدان العالم الثالث أيضاً- يقتصر على الجانب الأمني والقمعي لحماية المصالح الرأسمالية الخارجية والداخلية المتشابكة، .
بعد أن نجحت هذه الشروط في تصفية دور الدولة الإنتاجي و الخدماتي الذي كان مخصصاً في المرحلة السابقة لتغطية بعض احتياجات الجماهير الشعبية فيها. وبتراجع دورالدولة الوطني والاجتماعي ترعرعت المصالح الشخصية البيروقراطية والكومبرادورية والطفيلية، باسم الخصخصة و الانفتاح ، مما أدى إلى تفكك الروابط الوطنية والقومية والإقليمية ، إلى جانب عوامل التفكك و شبه الانهيار المجتمعي الداخلي المعبر عنه بإعادة إنتاج و تجديد مظاهر التخلف بكل مظاهره الطائفية والإثنية والعائلية والدينية …الخ، التي ترافقت مع تعمق الفجوات الاجتماعية ومظاهر الفقر المدقع بصورة غير مسبوقة فيها.
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة