مشاكل مجتمعاتنا العربية إلى أين ؟! (2)
“البت والواد عاوزين يتجوزو ياااااانااااااس”
مصيبة أصابت مجتمعاتنا العربية تمثلت فى العنوسة والتى عرفها قدامى العلماء من خلال تعريفهم للعانس وهى الفتاة البالغة التى لم تتزوج والتى خرجت من عداد الأبكار ولم تتزوج قط ، ولا يتوقف المصطلح على النوعية الأنثوية بل يمتد إلى الذكور فالرجل الذى لم يتزوج قط يطلق عليه ذات المصطلح ” العانس”.
ومع تطورات المجتمعات العربية الحديثة إرتفعت معدلات “العنوسة” وتعددت أسبابها وتمثلت الأسباب المباشرة له فيما يلى:
أولا: سوء الأوضاع الاقتصادية وبما يتبلور فى إرتفاع تكاليف الزواج فوق طاقات الشباب المالية ومنها إرتفاع الإيجارات السكنية بدرجة تمنع المقدرة على إيجاد بيت الزوجية، وإرتفاع مطلبات فرش هذا السكن بدرجة لا يمكن وصفها فحسب بالمغالة بل بالإجرامية فكيف يستطيع شاب ان يشترى فرش بيته من أثات حجرة نوم وصالون وأنتريه ونوم أطفال وسفرة وأساسيات المطبخ من بوتاجاز وسخان وخلاط وأدوات تجهيز طعام وأدوات تقديم الطعام من الأطقم الصينى والألمونيوم ووصولا إلى الأطقم الأيروبكس وادوات الغسيل من غسالة أتوماتيك وغسالة غير أوتوماتيك، ووصولا إلى تكاليف الفرح من قاعة ونفقات الفرح وليس هذا فحسب فتكاليف الصباحية وعزومة الأهل والأقارب والجيران.
ومن قبل ذلك تكاليف الخطوبة من ذهب الشبكة وإحتفالاتها وإمتدادا من تكاليف قراءة الفاتحة ومن قبلها الاتفاق على مهر العروسة الذى يفوق المقدرة المالية للشباب.
وقد أدت هذه التكاليف المغالية الباهظة إلى تقليل فرص الزواج وزيادة العنوسة الأنثوية والذكورية.
ثانيا: ونتيجة لذلك هاجر الكثير من الشباب إلى خارج البلاد بسبب قلة فرص العمل وقلة أجر العمل حتى لو وجد فرصة عمل .. وهناك فى الخارج تكون فرصة الزواج متوفرة بقوة لعدم وجود هذه التكاليف التى فاقت دراما الغباء، وهذا بالنسبة للشباب أما بالنسبة للفتيات فهن محبوسات فى بيوتهن ولا يستطعن الهجرة فالمجتمع يرفض ذلك مطلقا.
وثالثا:
ونتيجة التفاوت الطبقى الاجتماعي والاقتصادى الرأسمالى والثقافي حيث يرفض الكثير من العوائل والقبائل الزواج بسبب الوضع الطبقي أو الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية لأهل المتقدمين للزواج لعدم مناسبة كل منهما للآخر وعلى الرغم من علاقة الحب التى قد تكون بين الفتاة وحبيبها ويعبر الأهل عن ذلك بمصطلح “ما ينفعوش لبعض ” “مو مناسبين لبعض” و ” هم إيه وإحنا إبننا إيه ” ولا ” هم إيه وبنتنا إيه ” ولتبدى قوة تقاليد ألأسرة في منع وإيقاف هذا الزواج بحجة “عدم التكافؤ ” .
بل ووصولا إلى أن هناك مجتمعات ترفض زواج البنت من خارج العائلة خوفا من خروج الإرث العائلى والقبلى منها إلى الآخرين .
رابعا: الفروق التعليمية بينهما حيث فى المجتمعات العربية مازال الكثير من الأسر والشباب يفضلون الزواج ممن هم أقل فى المستوى التعليمى فالعروس يجب أن تكون أقل فى المستوى التعليمى عن العريس ولا يقبل العريس وأسرته وعشيرته أن تكون العروس أعلى فى المستوى التعليمى منه ، حيث تريد المجتمعات العربية وتفضل المرأة المنزلية الخادمة المستكينة والتى لاتناقشه ولا تحاوره تأكيدا للمجتمع الذكورى .
خامسا: ومع التطورات الثقافية والحريات فى المجتمعات العربية أصبحت ـــ وإن لم تكن عامة ــ هناك حرية للفتاة والفتى فى الموافقة على الزواج واستمرارية عدم الزواج فقد يكون السبب إقتناعا براحة البال أو عدم وجود من يصلح لها أو له فتكون العنوسة إختيارية وليست قسرية
سادسا: مع تطورات المجتمعات العربية الاقتصادية أصبح فى العديد من المجتمعات العربية للمرأة إستقلالا إقتصاديا بحيث تستطيع الانفراد بالسكن الخاص وحدها والاستقلال وبحبث تصبح غير مضطرة للزواج وفرضه عليها ورفضها للتقاليد والأعراف القسرية والموروثات القيمية التى ترغمها على الزواج بمن لا تريد.
وفى إطار التاريخ والحياة العالمية والعربية هناك من المشاهير من فضلوا العزوبية وعدم الزواج وعلى سبيل المثال: المفكر الرائد عباس محمود العقاد والشاعر جبران خليل جبران وسيد قطب والفنانين عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وسمير صبرى وإليسا ومروان خورى ومارسيل غانم وحسين الجسمى، ومارى عجمي رائدة الصحافة النسائية العربية والتى لم تتزوج بعد استشهاد خطيبها في الحرب ضد العثمانيين، والملكة إليزابيت الأولى، ملكة إنجلترا التي قصت شعرها وتفرغت لحكم إنجلترا ونجحت في توحيد المملكة ورفع شأنها والإمبراطورة كاترينا الثانية إمبراطورة روسيا في القرن الثامن عشر ورابعة العدوية المتصوفة صرفت النظر عن موضوع الزواج وتفرغت للعبادة والمغني البلجيكي الشهير وجاك بريل، ، والموسيقي الشهير تشايكوفسكي.
وفى إطار الوضع الاقتصادى والاجتماعى المتأزم والسائد إرتفعت معدلات الأنوسة بقوة وأصبح لدى الكثير من الشباب ومن الفتيات أملا فى ان تنفك الأزمة ليحققوا آمالهم فى الزواج والحياة الأسرية والأولاد … وينادى هؤلاء المجتمع والقبيلة والأهل والحكومة والبرلمان :ــ عاوزين نجوز ياااااانااااااس … عاوزين نجوزو ياااااانااااااس … عاوزين نجوزو ياااااانااااااس…
هذا المقال هو المقال الثاني من سلسلة مقالات تحمل هذا الاسم، ولقراءة المقال الأول من هنا.
موضوعات تهمك:
الثقافة العربية فى طريق الموت والهاوية
عذراً التعليقات مغلقة