إنكار حتمية التغيير وقمع المطالب الشعبية له عواقب فادحة كما حدث في سوريا حيث تكاد تختفي ملامح الدولة ومؤسساتها.
بقلم: محمد هنيد
إن خلاصة ما تشهده المنطقة اليوم من صراعات إنما يتعلق أساسا بطرق التغيير السياسي ومنوالاته بين الدول العربية. فالأساس الرئيسي لكل التفاعلات في المنطقة لا ينفصل عن طريقة انتقال السلطة وشروط هذا الانتقال ومساراته ومختلف ردود الأفعال المتعلقة به.
لقد اختبرت الدول العربية جميعها ثلاثة منوالات للتغيير السياسي خلال فترة وجيزة جدا لا تتجاوز العقد من الزمان حيث اختبرت الثورة والانتخاب والانقلاب جميعها في فاصل زمني وجيز جدا.
الثورات الشعبية التي عرفها مجال الربيع هي أول نماذج المطالبة بالتغيير السياسي من مصدر شعبي قاعدي يتسم بالفجائية وسرعة الإنجاز. أما الانتخابات التي تلتها خاصة في مصر وتونس فهي كذلك منوال آخر من منوالات التغيير السياسي السلمي في إطار ديمقراطي.
أما الانقلابات على الانتخابات والتي وقعت في مصر وليبيا فهي كذلك عنوان التغيير القسري بالقوة المادية لمسار الانتقال السياسي.
الثابت الأكيد هو أن تتابع هذه النماذج في التغيير بقطع النظر عن طبيعتها مؤشر على حتمية التغيير نفسه بما أنه أصبح ضرورة ملحة تفرضها معطيات موضوعية على الواقع فمنها ما يتعلق بطبيعة النظام السياسي ومنها ما يتعلق بوعي الجماهير العربية وطبيعة تطور المجتمعات.
إن هذه الحتمية بما هي خلاصة لا تقبل النقاش أو الطعن تعلن في حدّ ذاتها عن بلوغ المشهد العربي مرحلة حاسمة وأنه يدشن منعرجا تاريخيا جديدا. بناء عليه فإن أبسط قواعد التعامل السياسي الواقعي مع هذا الحدث لابدّ أن تراعي هذه الحقيقة التاريخية التي تتجاوز الصراعات الداخلية وأجندات الأنظمة مهما كان نوعها أو طبيعتها.
فنحن أمام خيارين أو نوعين من ردود الأفعال: فإما مسايرة هذه المطالب والوعي بها والتعامل معها بنوع من التنازل الذي يجنب الدولة كل أنواع الانزلاق الممكنة ويمنعها من السقوط في العنف والفوضى وإما إنكار هذه الحتمية التاريخية والدخول في صدام مع المطالب الشعبية وتحمل كل العواقب التي يمكن أن تؤدي إليها مثلما حدث في سوريا حيث تكاد تختفي ملامح الدولة ومؤسساتها وتسقط في أيدي قوى خارجية.
لا شك أننا نقف اليوم أمام لحظة حاسمة من تاريخ الأمة حيث يشتد الصراع بين الرغبة في التغيير وبين منع هذا التغيير بالقوة المادية الباطشة والسعي إلى تأبيد الاستبداد والإبقاء على النظام الرسمي العربي كما هو وبخصائصه التي صُنع بها. لكن هذا التعنت الرافض لمنطق التاريخ يتناقض تماما مع أبسط مبادئ الحكمة السياسية التي هي شرط بقاء النظام والدولة معا.
- د. محمد هنيد أكاديمي تونسي وأستاذ علوم السياسة بجامعة السوربون – باريس.
المصدر: الوطن القطرية