فوز إيمانويل ماكرون، قبل 4 أيام، برئاسة فرنسا منحه تأشيرة العبور إلى الإليزيه، غير أن حصوله على السلطة الفعلية لتفعيل برنامجه الانتخابي يظل رهين محصّلته بالانتخابات البرلمانية
المقررة في دورها الأوّل بعد شهر.
استحقاق مصيري تخوض من خلاله التيارات التقليدية في البلاد (اليسار واليمين) معركة «رد الإعتبار» عقب خيبتها المدوية في الرئاسية، فيما تسعى تيارات (اليمين المتطرف واليسار الراديكالي) للظفر بأكبر عدد ممكن من المقاعد بالبرلمان، ثأرا من الرئيس الجديد.
ماكرون والرهان الصعب
فور مغادرته باحة متحف “اللوفر” بقلب العاصمة باريس، مساء الأحد الماضي، عقب إعلانه رئيسا جديدا لفرنسا، كان على ماكرون الدخول مباشرة في حملة الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 و18 يونيو/ حزيران المقبل.
ماكرون الذي يدرك جيدا أن مقاليد السلطة الحقيقية تكمن في الحصول على أغلبية برلمانية (289 من 577)، فضل غداة انتخابه وضع الاشتراكيين تحت ضغط الاختيار بين الترشح لعضوية الجمعية الوطنية تحت راية الحزب الاشتراكي أو الأغلبية الرئاسية.
ومن منطلق إدراكه أن الرهان على قدر من الجسامة بالنسبة لحركته الناشئة، والتي لم يمض على تأسيسها أكثر من عام واحد، كان أوّل ما قام به ماكرون عقب استقالته من رئاسة الحركة، هو إعلان تغيير اسمها من “إلى الأمام” إلى “الجمهورية إلى الأمام »، بهدف هيكلتها ضمن حزب سياسي قائم بذاته.
تحوّل يتوقّع وزير اشتراكي نقلت صحيفة “لوفيغارو” تعقيبا له حول الموضوع، دون ذكر اسمه أن ماكرون “سيجد نفسه مجبرا على توخّي أساليب عمل تقليدية بشكل أكبر، وسينتهي به الأمر في مواجهة نفس الإشكالات المطروحة على الأحزاب الكلاسيكية ».
ومع أنّ حركة ماكرون سبق وأن ذكرت قبل يومين أنها ستعلن عن مرشحيها الـ 577 للاقتراع المقبل، اليوم، إلا أن التحدي الذي يواجه الرئيس المنتخب يبدو أكبر من مجرّد عرض قائمة نوابها المحتملين، حيث سيواجه اختبار الحصول على السلطة الحقيقية.
المطلعون على الشأن الفرنسي يتفقون على أن حركة «الجمهورية إلى الأمام» تواجه اختبارا عصيبا، فإما أن تحاول حصد الأغلبية دون تحالفات، وإما أن تهئ الظروف لتحالف مستقبلي، مع ما ما يستبطنه الخيار الأخير من خطر ذوبان هويتها وتشتت رسائلها.
خيارات صعبة في جميع الأحوال، ما يجبر ماكرون حاليا على اللعب على وتر الضغط، مستفيدا من الثقل الذي منحه إياه فوزه الواسع برئاسة البلاد، ومعولا على أن تهز صدمة انتخابه حزب «الجمهوريون» (يمين) والحزب الاشتراكي بما يكفي لأن يدفع البعض من ممثليها المنتخبين ومسؤوليها للإنضمام إلى حركته.
الحزب الاشتراكي وسيناريو 1993
الوزن السياسي لهذا الحزب ما انفك يتلاشى تدريجيا على امتداد ولاية أولاند، والإنتخابات البرلمانية تحمل في طياتها مخاوف من تسارع نسق الأفول، في وقت يخيم فيه شبح سيناريو 1993 على العقول، حين لم تتجاوز الكتلة الاشتراكية بالغرفة السفلى للبرلمان الـ 57 مقعداً.
«وصمة» لا تزال تلقي بظلالها على الحزب حتى اليوم، في ظل المخاوف من تكرار السيناريو نفسه، خصوصا وأن مرشح الاشتراكيين للانتخابات الرئاسية الأخيرة، بنوا آمون، لم يتصدر التصويت في أي دائرة بكامل أرجاء البلاد.
ولتفادي خيبة أخرى، ينكب الحزب على البحث عن استراتيجية برلمانية لمواجهة ماكرون.
أوليفييه فور، رئيس الكتلة الإشتراكية بالجمعية الوطنية الفرنسية، تساءل، في تصريح إعلامي، «عما ستكون عليه التوازنات المستقبلية، وعن احتمال حصول تحالف بين ماكرون وفرانسوا باروان (الجمهوريون) أو مع الاشتراكي برنار كازنوف؟».
أما في ما يتعلق بما يراه مناسبا بالنسبة لحزبه، بدا فور من أنصار فكرة ما أسماه بـ «أغلبية الأفكار»، أي إما الدعم أو المعارضة، في خيار اعتبر أنه «الأكثر حكمة»، لقدرته على إنقاذ الحزب من «القفل التكتيكي»، على حد تعبيره.
غير أن الحزب يخشى أن لا يمنحه الإقتراع القادم ما يكفي من المقاعد البرلمانية ليشكل قوة ذات وزن فيه، وهذا ربما ما يدفعه إلى مراقبة ما ستنتهي إليه حركة ماكرون من قرار قد يكون التعايش مع بقية الأحزاب والتحالف معها أحدها.
طرح يتطلع شق «المصلحين» بالحزب الاشتراكي تحقيقه بفارغ الصبر، بما أن قرار التحالف من قبل حركة ماكرون ستجعله آليا بحاجة إلى مؤيدي رئيس الوزراء الأسبق آلان جوبيه يمينا والإشتراكيين يسارا، وهذا بالضبط ما يحتاجه الحزب الأخير لإنقاذ ما أمكن من مقاعده بما يتيح له عدم الزوال.
اليمين بمختلف مشاربه وحرب الصمود
انطلاقة جديدة يسجلها اليمين هذه الأيام سعيا وراء استعادة الملامح التقليدية للمشهد السياسي الفرنسي، خصوصا حين يتعلق الأمر بالتشكيلة البرلمانية، والتي تعودت البلاد على أن تكون إما غالبية يمينية ومعارضة يسارية أو العكس.
الوزير السابق، فرانسوا باروان، والذي يقود حملة «الجمهوريين» النيابية، بدا حاسما لدى حضوره في إحدى البلاتوهات التلفزيونية على قناة «فرانس 2» الرسمية، حين قال: «لدينا معركة لنقودها، وسأكافح من أجل أن يحصل اليمين على الأغلبية المطلقة».
وأضاف أنه «لا مجال لأن تجري المعركة بين حركة إلى الأمام والجبهة الوطنية (حزب لوبان)».
تصريحات متواترة تحمل القناعة ذاتها من قبل قيادات يمينية مختلفة، ومع إعلان رئيس الوزراء الأسبق، آلان جوبيه دعمه لمرشحي الوسط ووسط اليمين في الانتخابات البرلمانية، بدا من الواضح أن التيار عاقد العزم على الفوز بالتشريعية وإن فشل في الفوز بالرئاسة.
نائب رئيس حزب «الجمهوريون»، لوران ووكييز، دعا بدوره، فور الإعلان عن نتائج الدور الثاني للرئاسية إلى «التعبئة من أجل الإنتخابات البرلمانية»، في رهان قد يفضي إلى خسارة ساحقة في ضوء تهافت العديد من الأعضاء المنتخبين والمسؤولين من الحزب، بينهم الوزير السابق برونو لومير، على الإنضمام إلى حركة ماكرون.
أما اليمين المتطرف بقيادة لوبان، فينطلق بوافر الحظوظ المنبثقة عن رصيده الانتخابي من الجولتين الأولى والثانية للرئاسية، أملا في الحصول عن ما يقل عن 40 مقعدا برلمانيا، سعيا نحو محو «فضيحة» تشريعية 2012، والتي لم تمنح «الجبهة الوطنية» أكثر من نائبين اثنين.
خيبة مدوية يأمل الحزب تداركها هذا العام، مفعما بنشوة انتصار تؤشر لـ «عهد جديد» في مساره، بحسب تصريحات متفرقة لعدد من قياداته، ممن يريدون الإعتقاد بأن الحزب بات على مشارف التمثيلية البرلمانية.
وكالات