بينما كان الأسرى الفلسطينيون يقضّون مضاجع السجان الإسرائيلي معلنين إضرابهم المفتوح عن الطعام، كان الفنان التشكيلي الفلسطيني محمد الشريف يُشغل هو الآخر ريشته ويُسقط ألوانه المشعة بالأمل على لوحاته وكأنه يعيش حالة من التضاد.
وبينما لا يزال الشارع الفلسطيني يتفاعل وبقوة مع أسراه المضربين، يرى الشريف الإضراب من منظوره الخاص وبإحساس الفنان، حيث جسَّد تلك المعاناة بما يعطي قوة للأسرى وأملا بنصر قريب يحقق مطالبهم ويحفظ كرامتهم، فعمد إلى رسم لوحات تشكيلية تحكي قصة صمودهم وإصرارهم على الحياة وإن كانت خلف القضبان.
واستلهمت ثلاث لوحات أنجزها الفنان الشريف وتنوعت عناوينها بين “الحرية” و”أقوى من سجانكم” و”حريتكم كرامتنا”؛ حكاية الأسرى ولخصت مرارة العيش وشظفه على يد السجان الإسرائيلي. ويعكف الرجل على إنجاز المزيد من تلك الأعمال.
ويقول الشريف “رسمت الأسرى بالصورة القوية والمشرقة، وما تبقى لنا هو الكرامة، ووحده الأسير الذي يمثلنا دفاعا عن هذه الكرامة”. كان الفنان يتحدث وأصابعه تداعب ريشته في عمل جديد يعده داخل مرسمه ويحاكي به ظلم السجن وأمل الحياة معا، في موجز يصف به حياة الفلسطينيين كما يراها.
مظلم ومشرق
ويضيف الشريف قائلا إن “رحى فنه تدور في جانبين أساسيين: الأول مظلم والآخر مشرق معاكس له تماما، فالأول يعني به الاحتلال وحياة الفلسطيني المعذب في كنفه، ورغم ذلك ينسلّ خيط الأمل من بين هذا الظلام وهو الجانب المشرق”.
وأتقن الشريف الذي ينحدر من مدينة جنين شمال الضفة الغربية العمل بمدارس الفن المختلفة من الواقعية والتجريدية والانطباعية وغيرها، قبل أن يبدع أكثر بإنجاز جداريات ضخمة تتضمن الرموز الفلسطينية والحروف الكنعانية، ليُعرف لاحقا بخوض تجربته الأولى في النحت على الصخر وترجمة الشعر إلى لوحات فنية صبت جميعها في قضايا وطنه وهموم شعبه.
وعرضت أعمال الفنان في خيمة الاعتصام ببلدة يعبد جنوب مدينة جنين وحظيت باهتمام أكبر، فالخيمة أضحت مزارا يؤمه العشرات يوميا من المتضامنين من الداخل والخارج. يُضاف إلى ذلك الحجم الكبير للوحات وألوان الزيت التي منحتها جمالا أكبر.
كان وليد عطاطرة -والد الأسير الشاب خالد- يتوسط الخيمة ويستقبل الداعمين والمؤازرين له، ويشد في الوقت نفسه من عزيمة نظرائه من أهالي الأسرى، فالبلدة الكبيرة تعرف “بقلعة الأسرى” ويقبع منها الآن نحو ستين أسيرا، أكثر من عشرين منهم يشاركون في الإضراب.
عمق المعاناة
ورغم أنه لم يسجن -وهو حال الفلسطينيين الدائم- فإن الفنان الشريف يقاسم الأهالي معاناتهم ويعايشها واقعا بتفاصيلها الدقيقة عبر أعماله الفنية.
ويقول والد الأسير عطاطرة إن ذلك يشعرهم بحجم التضامن الكبير معهم ومع أبنائهم في السجون، وهو أيضا يترك أثرا واضحا في حالة الأسرى النفسية حين يشعرون بأن الخارج يقف إلى جانبهم ويناصرهم، “فالشعب رهانهم الوحيد” يقول الرجل.
ويرى محمد عبادي القائم بأعمال بلدية يعبد أن أعمال الشريف مقدمة لدعم كبير تجاه الأسرى، حيث إن الفن أكثر وسيلة ملفتة وتؤدي الرسالة في آن واحد.
والأجمل أن الأعمال -والكلام للمسؤول عبادي- عبرت عن مكنونات صاحبها الخاصة ولامست مشاعر الأسرى وأهاليهم معا، فتجنبت أعماله “الفردية المطلقة” فأظهرت معنى الأسر بمفهومه الأوسع والأشمل.
حينما غادرنا مرسمه، كان الفنان الشريف يواصل العمل على لوحة تحكي هما آخر من هموم الشعب، لكنه وعد بتقديم المزيد من لوحات الأسرى وانتصارهم القريب على السجان وانتزاع حقوقهم.
الجزيرة