ويعكس المعرض الاستعادي الضخم لأعمال ضياء العزاوي في العاصمة القطرية، الذي أسدل عنه الستار قبل نحو أسبوع، حجم حضور هاجسي فلسطين والعراق في منجزه التشكيلي الذي بدأ تبلوره منذ عام 1963.
ولا تنحصر اهتمامات العزاوي، الذي رأى النور في بغداد عام 1939، ويعيش حاليا متنقلا بين لندن والدوحة، عند الجانب المضموني والإشكالي في الإبداع الفني، بل تمتد للأبعاد الجمالية وما يتطلبه ذلك من بحث في عمق الذاكرة التراثية والتاريخية وانفتاح على تجارب الآخرين.
وفي ما يلي نص حوار مع العزاوي على هامش معرضه في الدوحة، يتطرق فيه لعدة قضايا؛ من بينها إمكانات انفتاحه على تجارب نصية أخرى من قبيل الرواية بعد أن تفاعل بالصورة مع نصوص شعرية لأسماء عربية بارزة، بينها مظفر النواب ومحمود درويش ومحمد بنيس.
هل حقق معرضكم الاستعادي المنظم بالدوحة تحت العنوان الشاعري “أنا الصرخة، أيّ حنجرة تعزفني” (أكتوبر/تشرين الأول 2016-أبريل/نيسان 2017) ما يكفي من تفاعل ونقاش وإقبال ومتابعة يعكس حجمه ورمزيته؟
ما هو مثير وغريب في الوقت نفسه أن صدى المعرض والتفاعل معه كان بمساحة لا تقارن بين الصحافة الأوربية وبين الصحافة العربية، حيث وفرت صحف أساسية في أوروبا وأميركا مساحات ملفتة رغم كون المعرض في قسمه المهم يعكس موقفا سياسيا ناقدا للتصور السياسي الأوروبي.
وفي الوقت التي تقدم فضائية “سي إن إن” باللغة الإنجليزية نصف ساعة عن عملي، نجد فضائية الجزيرة العربية لم تنتبه للمعرض إلا في الأسبوعين الأخيرين من تاريخ المعرض لتقترح تغطية في برنامج “هذا الصباح”، الذي رفضته في حينها.
وهناك نموذج آخر لجريدة عربية لها حضور أساسي في الدوحة، وفرت مساحة ملفتة عن المعرض، لكن مراسلها لم يكلف نفسه زيارة المعرض، واكتفى بما جمعه من الإنترنت من نصوص وصور، مما يعكس المستوى المخجل لهذه الوسائل الإعلامية التي يفترض أن تستغل هذه الفرصة لخلق نقاشات وتفاعل مع الجمهور المحلي إلى جانب ما توفره وسائط الاتصالات من علاقات خارجية.
لا شك أن الزائر للمعرض الذي يغطي تجربتكم الممتدة منذ عام 1963 يتوقف عند التنظيم المحكم في العرض والترتيب والتعليق، أين يكمن السر في ذلك؟ وما دور كل جهة في تحقيق ذلك (الفنان، والقيمة (curator) الفرنسية، ومتاحف قطر)؟
لقد وفرت مؤسسة متاحف قطر دعما غير محدود لمنسقة المعرض الفرنسية كاترين ديفيد، وتم التنسيق وبفعالية واضحة بين الجهة المصممة للفضاء في صالة الرواق وكذلك المتحف العربي للفن الحديث من أجل توفير العلاقة الإبداعية بين الأعمال المتنوعة مادة وتاريخا، لقد فضلت أن أكون مراقبا لعملية التحضير وتدخلت في حالات محدودة من أجل تأكيد ضرورة الترابط الموضوعي، خاصة في جانبه السياسي.
يغطي المعرض جوانب كثيرة من مشروعكم الفني، هل تفكرون مستقبلا في تنظيم معارض خاصة بكل جانب على حدة؟ فموضوع علاقة النص بالصورة على سبيل المثال ربما يستحق معرضا خاصا ومقاربة مختلفة ليكتشف الجمهور أبعاد وجماليات ومضامين تلك العلاقة.
إقامة معرض مهني وبالمستوى الذي قدم فيه معرضي هذا يحتاج الكثير من الجهد، إلى جانب الحاجة للدعم المادي، وهذا لا يتوفر بسهولة إلا عبر المتاحف والمؤسسات الفنية، وهنا لابد أن أشير إلى أن مؤسسة متاحف قطر نموذج فريد في العالم العربي من حيث ما توفره من دعم مذهل عبر شبكة الاتصالات الدولية التي كونتها ضمن سنوات حضورها الفني بالإضافة الى تعاملها مع أبرز الأسماء الدولية من منسقي المعارض مما منحها مكانة دولية لا تقل عن أية مؤسسة عالمية.
تفاعلتم بصريا مع قصائد لعدد كبير من الشعراء العرب، منهم مظفر النواب وسعدي يوسف ومحمود درويش، هل تراودكم فكرة الانفتاح على أجناس أدبية أخرى من قبيل روايات لكتاب عرب حبلى برؤى وتصورات عميقة عن المجتمع والتاريخ العربي؟
لقد حاولت ذلك بشكل محدود، حيث أصدرت كتابا محدود النسخ لروايات “طائر الحوم” للروائي السوري حليم بركات، وكذلك لجانب من رواية “مدن الملح” للروائي السعودي عبد الرحمن منيف، ولدي تصورات بأنه لا زالت في طور الدراسة لإيجاد صيغة تفاعلية لتحويل الرواية إلى مناخات بصرية تأخذ مكانة الراوي كما يقدمه المسرح.
اشتبكتم فنيا مع قضايا كثيرة، منها القضية الفلسطينية ومآسي العراق وجروحه النازفة التي يتوقف عندها المعرض، ماذا عن تفاعلكم مع مستجدات الساحة العربية، وتحديدا ما يسمى الربيع العربي، وما ينطوي عليه من أحلام وانكسارات؟
شكل الموضوع الفلسطيني هاجسا روحيا منذ السبعينيات، وكذلك ما حدث أمام الدمار الممنهج للعراق منذ عام ٢٠٠٣، بالإضافة إلى الأخطاء الإستراتيجية قبل ذلك، والتي قوضت بمجملها المجتمع العراقي وحولته إلى مكونات جاهلة ومتحاربة. لقد شكل غزو العراق بمجموعة من الأكاذيب موقفا سياسيا وأخلاقيا أتعامل عبره مع ما يجري في المنطقة.
لا نختلف في حاجة المجتمع العربي للحرية والعيش بكرامة خارج حذاء الحاكم ورعونته، لكن هذا المجتمع ونتيجة لضغوط القمع السياسي حرمه من بروز قادة سياسيين يمتلكون الحكمة في التعامل مع المستجدات.
هذا العامل هو الذي حول الربيع العربي إلى حرب بالوكالة لمصالح الممولين من الدول الإقليمية، إن ما حدث من دمار مرعب في سوريا وليبيا وما يستهدف مصر من محرضات للفتنة الدينية لا يقدم لي غير أحلام مكسورة واحباط لمستقبل دموي.
هل حققت الحركة التشكيلية في العالم العربي ما يكفي من تراكم وتنوع وتأصيل يجعل الحديث عن عالميتها ذا معنى؟
لقد حققت أسماء عديدة حضورا واضحا على الصعيد الدولي عبر تواجدهم كفنانين فاعلين وما قدموه من تراكم فني ومعرفي في المشاركات الدولية، أما كحركة فنية فهي لا زالت بعيدة عن هذا الحضور، الذي يتطلب جهدا استثنائيا من قبل الفنانين وكذلك المؤسسات الثقافية والفنية وقدرتها على الانفتاح العالمي الذي قد يوفر للفنانين ظروفا إبداعية للحوار الفعال بعيدا عن المحلية بكل محدوديتها.