إيران وفشل التحايل على العقوبات
- هل نسيت طهران أو تناست وجود عقوبات أوروبية على النظام السوري؟
- أزمة العقوبات لا تستطيع إيران معالجتها بالتهديدات العسكرية ولا بضرب الناقلات.
- سياسة «عليّ وعلى أعدائي» لن تجدي نفعا لإيران بل تفاقم مأزقها أما الأعداء فسيجدون حلولاً بديلة ولو مؤقتة.
- التوقّعات الإيرانية رجّحت عدم تعرّض ناقلتها لأي إزعاج طالما أن أوروبا لا تفرض عليها أي عقوبات منذ الاتفاق النووي عام 2015.
* * *
قابلت طهران الاحتجاز البريطاني لناقلة النفط «غريس1» في جبل طارق باحتجاج غاضب وانفعال دبلوماسي مرفقَين بتهديدات لبريطانيا «بالمعاملة بالمثل». وهناك أسباب كثيرة لرد الفعل الإيراني، أهمها أن الاحتجاز تمّ بطلب أميركي، ما يدخله في سياق المواجهة في الخليج.
لكن التفاصيل تعزو الغضب خصوصاً إلى فشل عملية طويلة ومعقّدة استخدمت فيها طهران كل الخدع الممكنة متوخّيةً وصول الناقلة إلى مرفأ بانياس لحلّ أزمة الوقود أو تخفيفها مؤقتاً في مناطق سيطرة حليفها النظام السوري.
إذ جيء أولاً بالناقلة إلى العراق للإيحاء بأنها تقوم بنشاط تجاري لا يقع تحت طائلة العقوبات، ثم أبحرت وتوقفت قبالة شاطئ إيراني حيث شحنت نفطاً، ومن ثمَّ اتخذت خط سير دار بها حول أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح لتصل إلى المتوسط لكنها أُوقفت في منفذ جبل طارق، وهو مضيق دولي آخر تجاهل الإيرانيون أن للأميركيين نفوذاً استراتيجياً فيه.
لم تُفاجأ إيران بل وجدتها فرصة لاستكمال التصعيد في موقع حسّاس تتنازع عليه إسبانيا وبريطانيا، لكنه محسومٌ للأخيرة، أو لعلها تظاهرت بالاستهجان، رغم أن ما حصل يُفترض ألّا يكون خارج حساباتها.
فهي لا تجهل أن الناقلة رُصدت اميركياً منذ لحظة تحركها وأثارت الشكوك بمسارها الطويل ثم بانعطافها نحو المتوسّط. أما وجودها في مياهٍ دولية فلا يعفيها من ملاحقة أميركية، وأما وجودها في مياهٍ بريطانية فلا يعني حصانةً من أي نوع.
لكن التوقّعات الإيرانية رجّحت عدم تعرّض ناقلتها لأي إزعاج طالما أن أوروبا لا تفرض عليها أي عقوبات منذ الاتفاق النووي عام 2015. هل نسيت طهران أو تناست وجود عقوبات أوروبية على النظام السوري؟
هذه عملية أولى من نوعها، بل هذه هي الناقلة الإيرانية الأولى التي تعبر المتوسّط من ذلك المنفذ، وشاءت الظروف المتوقّعة على أي حال أن تشهد تفعيلاً لتلك العقوبات.
أتاحت هذه العملية لإيران أن تختبر الموقف الأوروبي الذي يقول ثلاثيّه البارز (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) أنه يرغب في مساعدة إيران للحفاظ على الاتفاق النووي، بل إنه لأجل ذلك باشر تشغيل الآلية التجارية الخاصة (انستكس).
غير أن تزامن مرور أو تمرير «غريس1» مع بدء إيران إجراءات خفض التزاماتها بموجب الاتفاق، برفع درجة تخصيب اليورانيوم وتخزينه، لم يكن مناسباً.
هذه الإجراءات التي تصفها فرنسا بأنها «بلا جدوى» قد تحمل الأوروبيين على إعادة النظر في مواقفهم حتى لو لم يذهبوا إلى حدّ مجاراة الولايات المتحدة في مجمل استراتيجيتها ضد إيران.
والظاهر حتى الآن أن بريطانيا باتت أقرب إلى التوجّه الأميركي، سواء بتبنيها الاتهامات لإيران بضرب الناقلات في مياه الخليج أو بتفاعلها مع المواجهة الحالية في الخليج.
لذلك لم يطلب الجانب الأميركي من إسبانيا اعتراض الناقلة لأنه قدّر مسبقاً أنها لن تتعاون. في أحسن الأحوال لا يمكن إيران الركون إلى موقف أوروبي صلب في صالحها إذا استمرّت في زعزعة الاتفاق النووي.
ليس واضحاً بعد كيف ستتعامل الدول المعنية مع الناقلة وحمولتها النفطية، وقد تدخل بريطانيا وإيران في صراع قانوني طويل، فالناقلة يمكن أن يفرج عنها طالما أنها ترفع علم بنما، أما الحمولة فمشمولة بعقوبات أميركية.
ومعلومٌ أن طهران حاولت مراراً خلال الشهور الستة الماضية تمرير ناقلات إلى سوريا عبر قناة السويس لكن حاجز العقوبات أقفل طريقها، وحاولت إرسال كميات من الوقود برّاً غير أن واشنطن أنذرت الشركات العراقية وكذلك اللبنانية والأردنية، بعدما كانت منعت أكراد شمال سوريا من بيع أي نفط إلى حكومة النظام.
للمرّة الأولى منذ اندلاع الأزمة السورية في 2011 تبدو العقوبات الغربية كورقة وحيدة للضغط على دمشق كي تتعامل بإيجابية مع مسارات الحل السياسي. حتى أن روسيا بدت عاجزة عن تخفيف هذه العقوبات أو تعطيلها.
لا شك أن «غريس1» هي واحدة من عمليات الخداع التي لجأت إليها إيران للتحايل على العقوبات، فالمسؤولون في طهران يواصلون تأكيد أنهم يصدّرون النفط من دون معوقات لكن الوكالات المتخصصة سجّلت هبوطاً إلى ما دون ثلث الكمية المفروض تصديرها (1.5 مليون برميل يومياً) لتغطية النفقات العامة، ولا ينفكّ هذا الثلث يتناقص بدوره.
هذه هي حقيقة الأزمة التي لا تستطيع إيران معالجتها بالتهديدات العسكرية ولا بضرب الناقلات. فحتى سياسة «عليّ وعلى أعدائي» لن تجديها بل تفاقم مأزقها، أما الأعداء فسيجدون حلولاً بديلة ولو مؤقتة.
* عبد الوهاب بدرخان كاتب وصحفي لبناني
المصدر | الاتحاد – أبوظبي
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة