طمس هويّة فلسطين في القدس القديمة
- تَرك أكثر من نصف قرن من احتلال (إسرائيل) بصماتِه المادية والسياسية على البلدة القديمة.
- قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية في (إسرائيل) إلى القدس المحتلة في مايو 2018 لاستباق المفاوضات التي تُقرِّر وضع القدس.
- «إسرائيل» تهدم منازل الفلسطينيين وتطردهم وتمكن المستوطنين اليهود وتفرض قيود شاملة تمنع صلاة الفلسطينيين عمليّاً في المسجد الأقصى.
* * *
بقلم | جوناثان كوك
تسيطر «إسرائيل» على القدس الشرقية والبلدة القديمة المُسوَّرة، منذ حرب عام 1967، التي احتلت خلالها أيضاً الضفة الغربية. وتعاملت معهما منذ ذلك الحين، باعتبارهما أرضاً مضمومة.
ولإحكام قبضتها على البلدة القديمة، قامت «إسرائيل» بهدم منازل وطرد سكان فلسطينيين، وتمكين المستوطنين اليهود، وفرض قيود شاملة تجعل من المستحيل على معظم الفلسطينيين عمليّاً، الصلاة في المسجد الأقصى، وهو أحدُ أهمِّ المقدَّسات الإسلامية.
ويشكل الوضع النهائي للبلدة القديمة، موضوعاً لاقتراحات مختلفة منذ خطة الأمم المتحدة للتقسيم عام 1947، التي اقترحت إدراجها تحت نظام دولي خاص، منفصل عن تقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتيْن عربية ويهودية، وذلك بسبب أهميتها المشتركة للمسلمين، واليهود والمسيحيين.
ويطالب الفلسطينيون بالقدس الشرقية، بما في ذلك البلدة القديمة، عاصمة لدولتهم المستقبلية، بينما يدّعي القادة «الإسرائيليون» أن القدس هي «العاصمة الأبدية» للدولة منذ عام 1949.
وتتّسم البلدة القديمة برمزيّة كبيرة تاريخية واقتصادية ودينية، وسياسية في الوقت الحاضر، لكل من الفلسطينيين والـ«إسرائيليين»، ولا سيّما بسبب مُجمّع المسجد الأقصى، المعروف لدى المسلمين باسم الحرم الشريف، و«جبل الهيكل» (المزعوم) لدى اليهود. وهذه هي القضية الأكثر تفجراً في نزاع ملتهب أصلاً.
ولكن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية في «إسرائيل» إلى القدس المحتلة في مايو/ أيار 2018، كان فيما يبدو لاستباق المفاوضات التي تُقرِّر وضع القدس، باعتراف الولايات المتحدة الضمنيّ بالسيادة «الإسرائيلية» الحصريّة على المدينة.
وقد تَرك أكثر من نصف قرن من الاحتلال «الإسرائيلي» بصماتِه المادية والسياسية على البلدة القديمة. وإلى جانب القدس الشرقية، تخضع البلدة القديمة لسيطرة بلدية القدس التي يديرها موظفون «إسرائيليون».
بعد احتلال البلدة القديمة عام 1967، سعتْ «إسرائيل» سريعاً إلى تأمين السيطرة على المنطقة المجاورة لحائط البُراق مباشرة، فهدمَتْ عشرات المنازل في حيّ المغاربة، وطردت مئات عديدة من السكان الفلسطينيين لإقامة ساحة كبيرة للصلاة.
وأعيدَ أيضاً إنشاء الحيّ اليهودي، على الرغم من أن «إسرائيل» حوّلت العديد من المنازل السابقة إلى معابد يهودية ومعاهد لليهود المتديّنين.
ولم يفقد الفلسطينيون رباطة جأشهم رغم العدد الكبير من التغييرات المادية حول المسجد الأقصى، والحيّ الإسلامي المجاور، التي يبدو أنها تهدف إلى تعزيز سيطرة «إسرائيل»، لا على حائط البُراق وحسب، بل على مجمّع المسجد الأقصى أيضاً.
وشمل ذلك مدَّ الأنفاق تحت المنازل في الحيّ الإسلامي، لتسهيل الوصول إلى جزء أكبر من حائط البراق. وأدّى قرار بنيامين نتنياهو فتح مخرج لنفق حائط البُراق عام 1996، إلى اشتباكات أودت بحياة عشرات الفلسطينيين و15 جندياً «إسرائيلياً».
وحَرَمتْ «إسرائيل» البلدة القديمة من خطة رئيسية، ممّا جعل من المستحيل على الفلسطينيين، توسيع منازلهم لمجاراة النموّ السكاني.
وفي الواقع، بدلاً من أن ينمو عدد السكان الفلسطينيين على مدى العقد المنصرم، تقلّص بمقدار 2000 إلى ما يساوي الآن 32 ألف نسمة. وغادرت الغالبية إلى مناطق أخرى من القدس أو الضفة الغربية.
وقد مَنَع عدم وجود مساحة شاغرة في الحيَّيْن الإسلامي والمسيحي، «إسرائيل» من بناء مستوطنات يهودية هناك، كما فعلت في الأماكن الأخرى في القدس الشرقية. ولذلك راحت تساعد المنظماتِ الاستيطانية على الاستيلاء على المنازل الفلسطينية القائمة.
ويوجد الآن نحو ألف مستوطن يهودي يعيشون في الحيّيْن الإسلامي والمسيحي، وفقاً لمنظمة «عِير عَميم»، التي تنادي بالمساواة في الحقوق في القدس. ويشكل هؤلاء المستوطنون رُبع اليهود الذين يعيشون في البلدة القديمة.
وتتصدّر مجموعة «عطيرِت كوهانيم» الاستيطانية، عمليات الاستيلاء التدريجي على المنازل الفلسطينية، بالتهديد والابتزاز والسعي إلى استصدار أوامر بالإخلاء في المحاكم «الإسرائيلية».
وفي الوقت الحالي، تواجه 20 عائلة فلسطينية أوامر الإخلاء، وفقاً لمنظمة «عير عَميم».
ويقوم المستوطنون أيضاً بالاستيلاء على الممتلكات في الحيّ المسيحي، المملوك من قِبل الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، مستخدِمين فيما يبدو، اعتماد كل بطريرك جديد على موافقة «إسرائيل» لتعيينه، وسيلة للضغط من أجل البيع.
ويزداد تعاطف الساسة «الإسرائيليين»، بما في ذلك وزراء في الحكومة باستمرار، مع مطالبات المستوطنين بتقسيم موقع المسجد الأقصى للسماح بإقامة صلوات يهودية.
وحتى الجماعات الأكثر تطرفاً، الراغبة في هدم المسجد الأقصى وبناء معبد يهودي جديد مكانه، أصبحت أكثر شعبية في المجتمع «الإسرائيلي» في السنوات الأخيرة.
وفي العامين من 2016 إلى 2018، ازداد عدد اليهود الذين اقتحموا المسجد الأقصى بأكثر من الضعف، من 14 ألفاً إلى 30 ألفاً.
ويواجه السكان المسيحيون مشاكل مشابهة لمشاكل المسلمين، بما في ذلك القيود على التخطيط وجهود المستوطنين الرامية إلى الاستيلاء على ممتلكاتهم. وبدلاً من أن ينمو عددهم في القدس كما هو متوقع، نقص من 12 ألفاً عام 1967 إلى 9 آلاف حالياً.
* جوناثان مؤلف وصحفي مستقل بريطاني مقيم في الناصرة.
المصدر | موقع «ديسيدِنْت فويْس» Dissident Voice
موضوعات تهمك:
هل ينجح الصهاينة في تشويه الموقف الأردني من قضية القدس؟
عذراً التعليقات مغلقة