مخاطر هروب الأموال
- «عودة المخاوف» من حرب تجارية عالمية تثير نزوح رؤوس الأموال من أسواق الأسهم في الاقتصادات الناشئة.
- رغم هجرة رساميل أميركا هرباً من ارتفاع الضرائب على الأرباح لا تزال تحتل المرتبة الأولى في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة!
- تعزيز حجم احتياطيات روسيا الأجنبية البالغة 489.5 مليار دولار كـ«وسادة أمان» للاقتصاد لم تكن كافية لطمأنة المستثمرين الأجانب ورؤوس الأموال!
* * *
بقلم | عدنان كريمة
مع اتساع نطاق التوترات «الجيوسياسية» والاضطرابات الأمنية في مناطق عدة من العالم، واحتدام الحروب التجارية وما يرافقها من عقوبات وقيود على حركة تنقل الأموال والاستثمارات، خصوصاً بين أميركا والصين وحتى روسيا، وتراجع الاستثمارات الخارجية في سندات الخزانة الأميركية.
في ظل كل هذه الأجواء السلبية وتداعياتها على الاستقرار المالي العالمي، تزداد مشكلة هروب الأموال، وما يحيط بها من تحويلات غير مشروعة، سجلت معدلات مرتفعة.
بل أصبحت تهدد، ليس فقط الدول التي خرجت منها هذه الأموال، بل نمو الاقتصاد العالمي الذي سجل تراجعاً ملحوظاً متأثراً بالأزمات المالية والاقتصادية المتتالية، ويصل تأثيرها المتزايد إلى المجتمعات الدولية جراء تفاقم الجرائم المالية العابرة للحدود ومخاطر الاحتيال والفساد في مختلف القطاعات.
برزت أهمية وخطورة هذه المشكلة كونها تنمو وتتفاقم في ظل الارتفاع الحاد في المديونية العامة الداخلية والخارجية للدول وتداعياتها السلبية، مع استمرار العجز الكبير والمزمن في موازناتها المالية، وموازينها التجارية.
ووفق أحد التقارير الدولية فإن أكثر من تريليون دولار تخرج سنوياً من البلدان النامية، وهي تفتش عن «جنات ضريبية»، يلجأ الأغنياء إليها لإخفاء جزء من أموالهم، حتى أن مجموعات في بعض الدول تعرض برامج آمنة لفتح حسابات مصرفية (أوف شور) بعيدة عن الرقابة الدولية مقابل فوائد مغرية تتجاوز 20 في المئة سنوياً.
ومع تطورات ما يعرف بـ«الربيع العربي» وما شهده من ثورات وحركات شعبية وقيام أنظمة حكم جديدة، تعرضت بعض البلدان العربية إلى هروب كبير للأموال.
وفي مواجهة ذلك تسعى السلطات التشريعية والرقابية إلى تحديث القوانين والتشريعات وتفعيل أعمال الرقابة التي تهدف إلى تعزيز الامتثال ومكافحة غسل الأموال وأنشطة المنظمات الإرهابية، تماشياً مع المؤسسات الدولية المختصة التي تسعى إلى تحديث وإصدار المعايير والتوجيهات لمكافحة هذه التحديات.
وخصوصاً أن العولمة وترابط الاقتصادات وتطور ابتكارات التكنولوجيا المالية وأنظمة الدفع الإلكترونية، تتيح انتقال الأموال بسرعة فائقة حول العالم.
المشهد الإيجابي الذي سجلته روسيا بتعزيز حجم احتياطياتها من العملات الأجنبية والذي بلغ 489.5 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، باعتباره «وسادة الأمان» التي توفر قدرة للاقتصاد على الصمود، لم تكن عوامل كافية لطمأنة المستثمرين الأجانب ورؤوس الأموال!
فقد سجل البنك المركزي خروج 35.2 مليار دولار، خلال خمسة أشهر الأولى من العام الحالي بزيادة 86 في المئة عن العام الماضي. أما الأسباب فقد عزاها نائب مدير البنك المركزي فاسيلي بوزديشيف إلى عاملين:
– الأول مرتبط بضعف إغراء الفائدة،
– الثاني الخوف من احتمال تحويل المبالغ في الحسابات بالعملات الصعبة إلى الروبل الروسي.
لكن وكالة «فيتش» ربطت الأسباب بالحديث المستمر عن العقوبات الأميركية ضد روسيا.
وكذلك الولايات المتحدة التي وصفت بأنها ملاذ كبير لهروب الأموال، شهدت بدورها هجرة رساميل أميركية هرباً من النسب المرتفعة للضرائب على الأرباح، ورغم ذلك لا تزال تحتل المرتبة الأولى على لائحة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة!
فقد استقبلت نحو 252 مليار دولار في العام الماضي، مع العلم أن هذه الاستثمارات حول العالم تراجعت بنسبة 13 في المئة، متأثرة بالحواجز والقيود التي وضعها بعض البلدان بحجة «الأمن القومي».
معهد التمويل الدولي الذي شعر بأهمية هذه المخاطر وتداعياتها السلبية، أطلق مؤخراً تحذيراً من «عودة المخاوف» بشأن حرب تجارية عالمية، تثير أكبر نزوح لرؤوس الأموال من أسواق الأسهم في الاقتصادات الناشئة، خصوصاً أن الأشهر الماضية كانت «الأسوأ أداء» من حيث التدفقات الأجنبية النازحة.
* عدنان كريمة كاتب لبناني في الشؤون الاقتصادية
المصدر | الاتحاد – أبوظبي
موضوعات تهمك:
عذراً التعليقات مغلقة