اجتماع مجلس التعاون: استمرار الأزمات
- لا الشعوب لديها خيار المشاركة بإطارات ومؤسسات المجلس ولا تشعر أيضا بامتلاكها حقوقا.
- كيف تتعامى قمة خليجية عن وضع ناجم عن خوف بين جيران؟ ولم تناقش الوساطة الكويتية؟
- اصيلة لتترافع في شؤونها أمام قضاء خليجي مستقل.
- عززت السعودية تنسيقها مع الإمارات بإنشاء مجلس مشترك للمسائل الأمنية والسياسية والاقتصادية
- هل تنجح قمة لا تناقش التداخل الجديد الاماراتي السعودي وانعكاساته باليمن والعالم العربي؟
- كيف تنجح قمة مجلس التعاون بلا نقاش واضح لإنهاء حرب اليمن واعادة إعماره؟
- كيف يمكن تجاهل بناء رؤية مقبولة للتعامل مع الوضع الإيراني؟
بقلم: شفيق ناظم الغبرا
إجتمع مجلس التعاون في ظل حالة إستقطاب خليجي خليجي لم يسبق للخليج أن عرف مثلها منذ إستقلاله. لكن الواضح في هذا اللقاء أن المجلس لم يتعرض لحالة الاستقطاب والقضايا التي تشكل الخطر الاول على منطقة الخليج.
في الجوهر لم يناقش المجلس شيئا حقيقيا أو فكرة يمكن لها أن تؤدي لنقلة نوعية. وإن كان من نجاح يذكر لقمة مجلس التعاون فهي تلك الكلمة المعبرة التي تحدث فيها سمو أمير الكويت الشيخ صباح الاحمد حول أزمة الخليج، كلمته كانت الأقرب للواقع لأنها جاءت من قلب آلام المنطقة وطرحت بوضوح الخلاف الخليجي الخليجي بصفته عملا يهدد الكيان ويدمر كل صرح تم انشاؤه.
لنحلل قليلا بعض من القضايا التي كان على قمة خليجية أن تناقشها والتي لم نجد لها صدى في بيان ختامي فضفاض. فدولة قطر التي تعرضت لحالة مقاطعة شاملة وحصار مباشر من ثلاث دول خليجية إستنجدت بالاتراك، وهذا يعني أن الاتراك أصبحوا جزءا لا يتجزأ من ترتيبات الخليج الأمنية.
فهل تستطيع قمة أن تتعامى عن الوضع الناتج عن خوف بين جيران؟
كما أن الكويت التي هالها ما يقع في الإقليم من تفكك سعت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فقامت بالتوسط من خلال مبادرة الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح، لكنها قامت بنفس الوقت بخطوات لتقوية أمنها عبر التنسيق مع تركيا و بريطانيا بالإضافة للتنسيق التقليدي مع الولايات المتحدة.
وهل يمكننا إعتبار قمة لم تناقش على الأقل الوساطة الكويتية ناجحة؟ وقد عززت من جهة أخرى المملكة العربية السعودية من درجة تنسيقها مع دولة الإمارات لدرجة إنشاء مجلس مشترك لكل المسائل الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية.
فهل تنجح قمة لا تناقش هذا التداخل الجديد الاماراتي السعودي وانعكاساته في اليمن في العالم العربي؟
وبنفس الوقت هناك حرب ضروس في اليمن ادت لكارثة إنسانية مدمرة، وبينما أصبح الجنوب اليمني تحت سيطرة أماراتية لازال الشمال في حالة حرب. كيف تنجح قمة مجلس التعاون بلا نقاش واضح حول إنهاء حرب اليمن واعادة بناء اليمن بعد الحرب؟
وكيف تنجح على سبيل المثال قمة خليجية لمجلس التعاون بلا نقاش عقلاني حول إيران ووضعها منذ الغاء الإتفاق النووي الإيراني من جانب الولايات المتحدة في 2018؟
كيف يمكن تجاهل بناء رؤية مقبولة للتعامل مع الوضع الإيراني؟ لقد أصبح مجلس التعاون قشرة تقع في محيطها مخاوف شتى وكل من دوله تبحث عن صيغ أمنية جديدة.
ثم هل بالإمكان أن تنجح قمة لا تتعرض لطبيعة العلاقات الأمريكية السعودية كما تطورت منذ إغتيال جمال خاشقجي؟
الازمة الأمريكية السعودية هي الاولى من نوعها في تاريخ البلدين. فحتى بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر لم تهتز علاقة المملكة بالولايات المتحدة كما هو واقع اليوم، بل إمتدت الأزمة للصحافة والاعلام والكونغرس والرأي العام. كان من المفيد أن تتعرض القمة للعلاقة مع الولايات المتحدة. لقد إختارت مجلة تايمز جمال خاشقجي كشخصية العام، وهذا تأكيد على عمق ما وقع.
وهنا يبرز امر يتطلب وضوحا. فقد نتج عن إغتيال جمال خاشقجي تحول حادثة الإغتيال وطريقتها لقضية رأي عام عالمي عن حرية الكلمة والصحافة في كل مكان. كان من المطلوب ان تناقش القمة طرقا صادقة وواضحة في التعامل مع صورتنا العالمية وصورة الدول عند الدول. ان ما وقع مع جمال خاشقجي صنع تداخل بين اسلوب داعش والقاعدة.
لن يكون بالإمكان تصحيح الصورة السلبية الجديدة الا بقيام المملكة من جهة و دول مجلس التعاون، بنقاش حقيقي حول كل ما يتعلق بحرية التعبير و بحقوق الصحافة والصحافيين. هذا سيتطلب تطوير واضح للضمانات المتعلقة بالرأي والرأي الاخر. صورتنا لن تتغير بلا تغيرات جدية في الموقف من الحريات.
هذا النقاش يأخذنا نحو أفق آخر، فهناك تساؤلات حول مكانة الشعوب والمواطنين في سياسات مجلس التعاون، فلا الشعوب لديها خيار المشاركة في إطارات ومؤسسات المجلس، ولا تشعر الشعوب بنفس الوقت بأنها تمتلك ضمن المجلس حقوقا اصيلة تسمح لها بالترافع في شؤونها أمام قضاء خليجي مستقل. يكفي ان نتذكر بأنه حين وقعت أزمة الخليج في 2017 تم، وبلا سابق إنذار، طرد كل مواطن قطري من الدول التي حاصرت قطر، كما طلبت ذات الدول من جميع مواطنيها مغادرة قطر ضمن مهلة لم تتعد الأيام.
لم يستطع اي مواطن أن يخالف تعليمات الحكومات، وهذا يعني أن رغبات المواطنين ومصالحهم غير أساسية. بل أدت هذه القرارات لحالة معاناة وألم للكثير من العاملين والموظفين والإعلاميين والأساتذة من المواطنين القطريين والسعوديين والاماراتيين والبحرينيين القاطنين في قطر ام في بقية الدول التي شنت حملة الحصار.
هل من المنطق ان يفرض على موظف أو موظفة من المملكة او من الامارات ان يستقيل بلا سابق انذار لأنه يعمل في شركة خاصة في قطر؟ وهل من المعقول ان يفرض على رجل أعمال قطري لديه أعمال وشركات في دبي القيام بتجميد هذه الأعمال والأملاك بسبب خلاف سياسي. هذه ابعاد مدمرة لفكرة المجلس بالأساس.
في ظل حالة عدم الثقة والخوف من الآخر يبقى الجمود وستبقى المفاجآت، فاقليمنا عودنا على الإستدارات المفاجأة. لهذا فالاسئلة كثيرة: هل دخلت قطر مرحلة الإستغناء عن مجلس التعاون بالشكل الذي عرفناه؟ لماذا تستمر حرب اليمن، ولماذا مقاطعة قطر وحصارها؟ كيف يمكن خلق آلية للتشاور تمنع الاستفراد في ممارسة الإكراه؟
أليس من الأصول أن يقوم مجلس التعاون بمناقشة طريقة لحصر الخلاف السياسي بين السياسيين وعدم تعريض المواطنين لاخطاء السياسيين؟ اليس من الضروري بناء مؤسسات قضائية تمنع الدول الاستفراد بالحقوق والملكية ومنع الانتقال واضطهاد مواطنين لا علاقة لهم بما يقع بين الدول من شد وجذب؟ الم يكن ذلك يستحق بعض من وقت المجلس؟ إن الإكراه اصل المشكلة في العالم العربي.
لقد وصلنا لمحطة جديدة تؤكد لنا بأنه لا مستقبل لمجلس التعاون بلا مكانة للشعوب وبلا الحد من ممارسة الإكراه.
* د. شفيق ناظم الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت
المصدر: القدس العربي