- رغم خلافات جوهرية مع إيران تفكر تركيا بطريقة استراتيجية بعيدة المدى، ولديها أولوياتها الوطنية.
- مقارنة بين علاقة أنقرة بواشنطن وعلاقات واشنطن بعواصم العرب تظهر الفارق بين الاستقلال والتبعية.
بقلم: أحمد حسن الشرقاوي
الشيء بنقيضه يعرف! والسياسات أيضاً.
وأظن أنه بدلاً من استخدام توصيفات، أتصور أن طرح النقيض يشرح الحال وربما المآل، بشكل ربما أفضل كثيراً من الوصف والإسهاب، والشرح والإطناب.
ومن أراد أن يعرف جوهر العلاقة بين أميركا والسعودية، مثلا، عليه أن يتابع تفاصيل العلاقة الحالية بين أميركا وتركيا.
لاحظ أنني أتحدث عن «جوهر العلاقة» بين واشنطن والرياض دون خوض في التفاصيل.
أما واشنطن وأنقرة فإن العلاقات بينهما تشهد توتراً ملموساً لدرجة دفعت دبلوماسيين أميركيين لطرح حزمة من الشروط على نظرائهم الأتراك، خلال لقاء عقد بواشنطن مؤخراً، منها :
- إطلاق سراح 20 جاسوساً من ضمنهم القس الأميركي «أندرو برونسون»، وكلهم من المتورطين في أحداث انقلاب 15 يوليو من العام 2016.
- التزام تركيا بتطبيق مقاطعة شاملة للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
- عدم شراء صواريخ «أس 400» من روسيا.
- تغيير أنقرة سياستها تجاه إسرائيل، وإعادة تقييم موقفها تجاه ملف القدس.
- الكف عن التنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط حول جزيرة قبرص بالبحر المتوسط.
- قبول الجزاء المفروض على بنك الشعب التركي.
- إغلاق ملف فتح الله غولن إغلاقاً نهائياً والتوقف عن مطالبة واشنطن بتسليمه.
- تسليم رخص التنقيب عن المعادن في تركيا لشركات أميركية.
وأفادت مصادر إعلامية تركية بأن المسؤولين الأتراك أبلغوا نظراءهم الأميركيين بالردود على تلك الشروط فوراً، وهي :
- القضاء التركي وحده من يقرر الإفراج عن أي سجين..
- نحترم علاقاتنا مع الدول التي تحترم تركيا (من بينها إيران).
- إن لم نشترِ منظومة صواريخ «أس 400»، سنصنعها بأنفسنا.. فهل مشكلة واشنطن في علاقاتنا بروسيا أم حيازتنا هذه النوعية من الأسلحة؟!
- سياستنا مع الحق دائماً.. والقدس ستعود لأهلها عاجلاً أو آجلاً.
- ثرواتنا مملوكة للشعب التركي، ومسؤولية الحكومة التركية أن تبحث عن تلك الثروات في كل شبر من أرض بلادنا وداخل حدودنا ومياهنا الإقليمية.
- البنك المركزي التركي حر مستقل يحفظ للمواطن والمستثمر الأجنبي حقوقه الكاملة.
- فتح الله غولن مجرم حرب ومطلوب للعدالة التركية.
- لنا الحق مثل غيرنا في منح رخص الاستثمار والتنقيب عن المعادن لمن نريد.
وخلاصة تلك الردود الدبلوماسية التركية أنها تعكس «جوهر» العلاقة بين أنقرة وواشنطن.. وهذا الجوهر يسمي: «الاستقلال».
العلاقات بين الدول تبنى على 3 محاور:
الأول: محور التبعية وافتقاد استقلالية القرار الوطني.
الثاني: محور العداء والخصومة وانقطاع التواصل.
الثالث: محور الندية والاحترام المتبادل والتعامل المتوازن الذي لا يرضخ لظالم أو ينحني أمام معتد غاصب.
بين تركيا وإيران «ما صنع الحداد».. لكنها تفكر بطريقة استراتيجية بعيدة المدى، ولديها أولوياتها الوطنية.
فإذا عقدت مقارنة بين «جوهر» العلاقة بين أنقرة وواشنطن من جهة، وبين واشنطن والعواصم العربية، من جهة أخرى، ستدرك الفارق بين الاستقلال والتبعية.. بين الاحترام والاستخفاف.. بين التعامل الذكي الحريص الواثق وبين التعامل الساذج المتغابي والمتغافل.
ستدرك الفارق بين أردوغان ونظام حكمه في تركيا، وأنظمة حكم ضعيفة ومتهافتة في عواصم العرب.
- أحمد حسن الشرقاوي كاتب صحفي مصري.
المصدر: صحيفة «العرب»