قد تقود نتائج السياسات الاقتصادية إلى ثورة جياع وتفاقم الفقر والبطالة والتضخم كما يحدث في اليمن ولبنان وسورية وغيرها.
تطورات اقتصادية تواكب تعميق الحكومات سياسات القهر والاستبداد والقبضة الحديدية والتضييق على حرية الرأي والتعبير، ومعايرة شعوبها بالفقر.
لدينا أنظمة تتبنّى سياسات النيوليبرالية المتوحشة، وتوسع رهيب في الاقتراض الخارجي والداخلي بذرائع واهية، وزيادة مخاطر الديون والتعثر في سدادها.
تبدو الصورة بائسة في 2022: سقوط عملات، انهيار احتياطيات أجنبية، قفزات بأسعار السلع، بما فيها الغذاء، ارتفاع أسعار الوقود، زيادة تكلفة الخدمات.
النتائج في 2022 توسع نموذج لبنان والسودان وسورية واليمن لدول عربية أخرى ومزيد من انهيار اقتصادي ومالي وتهاوي عملات واضطرابات اجتماعية وسياسية!
* * *
بقلم: مصطفى عبدالسلام
قيل إن المقدمات تقود إلى النتائج، وإن النتائج نفسها مرهونة بالمقدمات، وإن المقدمة السليمة تقود إلى نتائج سليمة والعكس.
في عام 2010 كانت النتائج كلها تقود إلى نتيجة واحدة، هي اندلاع ثورات الربيع العربي، إذ كان المواطن العربي وقتها يئن من ظروف معيشية قاسية وبالغة الصعوبة، وقفزات في الأسعار، بما فيها الأغذية والسلع الرئيسية، وبنية تحتية مترهلة، وخدمات سيئة، ومنها التعليم والصحة.
إضافة إلى تفشي ظاهرة نهب بعض الحكام لأموال وثروات الشعوب كما أقرت البنوك والمحاكم الغربية في وقت لاحق، وانتشار الفقر والبطالة والفساد والقهر والاستبداد والاحتكارات، وسيطرة رأس المال على مؤسسات الحكم، والتداخل الشديد بين المال والسياسة، في ظاهرة عرفت وقتها بتزاوج السلطة ورأس المال.
ساعتها، لم تقرأ الأنظمة الحاكمة المقدمات بشكل صحيح، أو ترصد المشهد والواقع بشكل دقيق، ولذا خرجت النتائج غير صحيحة، واعتمدت في تعاملها مع الأزمات، سواء السياسة أو الاقتصادية وحتى الدينية والاجتماعية والفئوية، على القوة الغاشمة والآلة الأمنية والقبضة الحديدية وسياسات الاعتقال.
لكن حدث ما لم يتوقعه هؤلاء، وسقطت الأنظمة الحاكمة في مصر وتونس وليبيا واليمن، وكاد أن يسقط النظام في بلدان عربية أخرى، منها سورية، لولا تدخل الاحتلال الروسي والإيراني اللذين أنقذا من السقوط نظاماً فاشياً لا يزال يمارس هواية القتل بدم بارد لمن تبقى من سوريين.
الآن، نحن في عام 2022، ومقدمات العام الجديد عالمياً تتحدث عن أزمة صحية عنيفة، وأكثر من مليون إصابة بفيروس كورونا يومياً، وعودة زيادة الوفيات بسبب الفيروس، وانتشار واسع للمتحوّر أوميكرون، وعشرات الدول تفرض قيوداً شديدة على الحدود وأنشطة السياحة والسفر والطيران.
يصاحب كل ذلك قفزات متواصلة في أسعار الأغذية والطاقة والمواد الخام والسلع الوسيطة حول العالم، وارتفاع أسعار النفط، وتحول الغاز الطبيعي من سلعة استهلاكية إلى “سلعة سياسية” تستخدمها بعض الدول مثل روسيا في الضغط على الشعوب والأنظمة الأوروبية.
كما بات العالم يعاني من معدلات عالية للتضخم لم تصل إليها الولايات المتحدة منذ نحو 38 عاماً، ولم يصل إليها الاتحاد الأوروبي منذ ربع القرن.
وإذا ما استمرت مخاطر كورونا وزيادة الديون وقفزات الأسعار وتفاقم عجز الموازنات وتراجع الإيرادات الحكومية، فإن المتاعب ستعود بقوة للاقتصاد العالمي، ومعها تزداد معاناة المواطن.
عربياً، تبدو الصورة بائسة في العام الجديد، توقعات بسقوط مزيد من العملات الوطنية كما جرى لعملات لبنان وسورية واليمن والسودان في 2021، انهيار احتياطيات دول من النقد الأجنبي، قفزات في أسعار السلع والخدمات، بما فيها الأغذية والسلع الرئيسية، ارتفاعات في أسعار الوقود بكل أنواعه، البنزين والسولار والكهرباء والغاز، زيادات في تكلفة الخدمات، ومنها المواصلات العامة ومياه الشرب.
زيادة الغبن الاجتماعي، واتساع دائرة الفقر والبطالة، حكومات تواصل سحب ما تبقى في جيب المواطن “المخروم” أصلا، زيادات جديدة في الضرائب والرسوم الحكومية من قبل حكومات تضرب بالظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها المواطن عرض الحائط.
أنظمة حاكمة تتبنّى سياسات النيوليبرالية المتوحشة والتي تزيد الأثرياء غنى والفقراء فقراً، توسع رهيب في الاقتراض الخارجي والداخلي تحت ذرائع مختلفة وواهية، وزيادة الدين العام ومخاطر الديون والتعثر في سداد أعباء القروض الخارجية، خاصة مع رفع البنك المركزي الأميركي سعر الفائدة على الدولار، وهو ما يرفع كلفة الاقتراض الخارجي، ويزيد من مخاطر عدم السداد، وصعوبة الحصول على قروض جديدة.
يصاحب ذلك تركز أنشطة الاقتصاد في يد الدولة ومؤسسات سيادية تحصل على مزايا ضريبية وأيدي عاملة شبه مجانية، وتفشي الاحتكارات على نطاق واسع، والتضييق على القطاع الخاص المولد الرئيسي لفرص العمل، وإهدار أموال وموارد الدول المحدودة، وتوسع كبير في الإنفاق على التسلح رغم توسع الأنظمة العربية في التطبيع مع دولة الاحتلال وتراجع المخاطر الجيوسياسية في المنطقة.
تواكب تلك التطورات الاقتصادية أيضاً تعميق الحكومات سياسات القهر والاستبداد والقبضة الحديدية والتضييق على حرية الرأي والتعبير، ومعايرة شعوبها بالفقر.
وبما أن المقدمات تقود إلى نتائج، فإن النتائج هنا في العام الجديد قد تقود إلى توسع النموذج اللبناني والسوداني والسوري واليمني في 2022 ليمتد إلى دول عربية أخرى، وبالتالي مزيد من الانهيار الاقتصادي والمالي في دول المنطقة، وتهاوي المزيد من العملات العربية، وحدوث اضطرابات اجتماعية وسياسية لا أحد يعرف مداها كما حدث في دول عدة في العام الماضي، وربما تقود النتائج إلى ثورة جياع، وزيادة حدة الفقر والبطالة والتضخم كما يحدث في اليمن ولبنان وسورية وغيرها.
ومن هنا فإن على صانع القرار أن يقرأ المقدمات والاشارات الحالية جيداً، وإن كان لا يعرف تلك المقدمات جيداً أو يتجاهلها. هنا يقود الدولة إلى نتائج كارثية لا تقف مخاطرها عند الأجيال المقبلة، بل قد تمتد شظاياها للأجيال الحالية أيضاً في شكل قلاقل سياسة واضطرابات اجتماعية وربما يتكرّر مشهد 2011.
* مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي
المصدر| العربي الجديد
موضوعات تهمك: