2019: من برج جدّة إلى حدائق فرساي
- ما تعتبره الرياض وأبوظبي اليوم جهداً لخدمة السلام في أفغانستان سبق أن اعتبرتاه رعاية للإرهاب لدى استقبال قطر وفودا مماثلة لأغراض السلام ذاتها.
- كيف سيستغل الحلف السعودي الإماراتي زيارة البابا لأبوظبي لغسيل الأيدي من دماء أطفال اليمن وتجميل وجه بن سلمان؟
* * *
عالم الأرقام القياسية سوف يشهد في العام الجاري 2019 إقصاء برج خليفة في دبي (827 متراً) من مركز ناطحة السحاب الأطول في العالم، ليحل محله برج جدة الذي يتجاوز طوله 1000 متر، وتبنيه شركة المملكة القابضة برئاسة الوليد بن طلال.
ورغم المفارقة فإن الحدث يؤكد عمق التحالفات بين السعودية والإمارات، أو بالأحرى بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، على أصعدة أخرى أكثر خطورة، ودموية كما ينبغي القول.
من ذلك مواصلة الحرب على اليمن، والمضي أبعد في حملات الضغط لتمرير المشروع الأمريكي الذي بات يُعرف باسم «صفقة القرن» في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإعادة تأهيل نظام بشار الأسد بذريعة مضحكة هي مواجهة النفوذين الإيراني والتركي، وتصعيد التدخل المباشر في النزاعات الأهلية الليبية، وما إلى ذلك من ملفات لا تتأثر بأطوال الأبراج وناطحات السحاب.
مفارقة أخرى مضحكة هي أن العام الجديد سوف يشهد أيضاً احتضان المملكة لمفاوضات السلام بين الأطراف الأفغانية، بما في ذلك مجموعات الطالبان، رغم أن هذه الرعاية بالذات كانت بين الأسباب الزائفة التي تذرعت بها الرياض وأبو ظبي لفرض الحصار على دولة قطر.
وما تعتبره العاصمتان اليوم جهداً إسلامياً لخدمة السلام في دولة إسلامية، سبق أن اعتبرتاه رعاية للإرهاب في حالة استقبال قطر لوفود مماثلة استهدفت أغراض السلام ذاتها.
من جانب آخر سيكون طريفا مراقبة طرائق استغلال الحلف السعودي ــ الإماراتي لزيارة البابا فرنسيس إلى أبو ظبي، مطلع شباط (فبراير) المقبل، سواء لجهة غسيل الايدي من دماء أطفال اليمن ومحو صور القتل والتخريب والتدمير والتجويع، أو لإعادة تجميل الوجه الوحشي الحقيقي الذي كشفت عنه شخصية بن سلمان في واقعة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
ومن المرجح أن ينتظر العام 2019 ترسيخ المزيد من التعديلات الدستورية التي تتيح لرؤساء بعض الدول العربية تمديد فترات حكمهم.
وفي الآن ذاته، ليس بوسع أي عراف أن يتنبأ بموعد ولادة الحكومة اللبنانية، التي تعيش وضع المخاض منذ سبعة أشهر أعقبت الانتخابات النيابية، وشهدت بقاء الخيوط الكبرى في يد حزب الله يشدها تارة أو يرخيها تارة أخرى.
فلسطينياً، ورغم متاعب بنيامين نتنياهو أمام القضاء الإسرائيلي، فإن دولة الاحتلال باتت تستبدل عدم المبالاة بعدم الاكتراث كلما اتصل الأمر بمفاوضات السلام.
على صعيد دولي يبدأ العام بتنصيب الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو الذي يتوعد بلاده والبشرية جمعاء بإجراءات مشددة ضد المهاجرين والأجانب، ولا يخفي حنينه إلى إحياء الحقبة الدكتاتورية لسنوات 1954ـ1985.
وفي أواخر أيار (مايو) سوف توضع معظم الديمقراطيات الأوروبية تحت اختبار صعود المزيد من قوى اليمين المتشدد والعنصري، خلال انتخاب 705 من أعضاء البرلمان الأوروبي.
وإذْ يستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قمة السبعة في بياريتز، فإن هموم بلاده الداخلية وأشباح احتجاجات السترات الصفراء ستهيمن على الجلسات لأنها لا تخص فرنسا وحدها بل تشمل أوروبا قاطبة.
ولقد شاءت المصادفة أن يكون 2019 هو عام الذكرى المئوية لمعاهدة ڤرساي، حين انتقلت القوى الكبرى من الحرب بينها، إلى تقاسم العالم!
المصدر: القدس العربي
عذراً التعليقات مغلقة