يحكى أن …
مزارع بسيط يدعى أبو محمد يقطن في أحد القرى بريف طرطوس على الساحل السوري تعرّض لكارثة ألمّت به بعد أن تصدّع منزله جرّاء قيام بلدية المنطقة بصيانة عامة للطريق المجاور لمقر سكنه الأعمال الّتي قامت بها البلدية و منها جداراً استنادي تسبّب بضرر كبير على أساسات المنزل ممّا تسبّب بتصدّعه أبو محمّد الذي كاد ينهار وهو يرى شقى عمره يضيع أمام عينيه بسبب رعونة واستهتار موظفو البلدية أتاه الأمل وهو يستمع الى نصيحة جاره المحامي الشاب الذي حرضه على إقامة دعوى على بلدية المنطقة و بناء على نصيحة جاره أقام دعوى على البلديّة مطالباً بعطل و ضرر على ما ألمّ به من خسائر وأوكل جاره المحامي بالقضية و لأن القضيّة فنيّة فقد أقرّت المحكمة تعيين خبيرا لمعاينة الأضرار و تحديد المتسبب بها و بناء عليه عيّنت المحكمة الّتي تنظر بالدعوى المهندس حيدر كخبير هندسي يكتب تقريراَ فنيّاً عن حجم الأضرار و المسؤول عنها وصحّة الادّعاء الّذي تقدّم به أبو محمّد على بلديّة المنطقة …قام المهندس بناء على تكليف المحكمة بزيارة بيت أبو محمّد واستقبله الجار المحامي ورافق المهندس في رحلته لمعاينة الأضرار باعتباره وكيل أبو محمد القانوني في القضية همس المحامي بأذن المهندس الخبير مراراً وتكرارا ومن ثم دسّ في جيبه مظروف محشو بأوراق نقديّة .
تحسس صاحب الخبرة جيبه وأسعده سماكة المظروف وارتسمت على محياه ابتسامة عريضة و سارع إلى كتابة تقرير ينصف أبو محمّد و يحمّل البلدية كامل المسؤولية و يكلّفها بمصاريف الدعوى و أتعاب المحامين و بناء على تقرير الخبرة هذا حكمت المحكمة لأبو محمد بتعويض محرز يتوجّب على البلدية دفعه و لأن المبلغ كبير استأنفت البلدية الحكم و في خلال هذه المدّة انتهت ولاية المجلس البلدي وأجريت انتخابات جديدة فاز بها المهندس حيدر الخبير الهندسي بالمحكمة برئاسة المجلس البلدي و بعد مراسم الاستلام و التسليم و التهاني و المباركات و باقات الورود تبوّء رئيس البلدية الجديد موقعه في مكتب الرئيس و أمر بصرف مبلغ لشراء أثاث يليق بمقام المسؤول الأول في المنطقة و سرعان ما صار يستقبل الزوّار في مكتبه الفخم الجديد و يستعرض البريد الصادر و الوارد و من ضمنه قرار محكمة الاستئناف الّتي أتى ليؤكّد على قرار محكمة البداية بالتعويض على العم أبو محمّد جرّاء الأضرار الّتي ألمّت بمنزله نتيجة أعمال البلدية السابقة فما كان من رئيس البلدية الجديد و الخبير السابق في المحكمة إلا و استدعى المحامي الموكل في الدفاع عن قضايا البلدية و أطلعه على الموضوع و طلب منه حلّاً سريعاً ينقذ البلدية من دفع هذا المبلغ الضخم …نصح محامي البلدية باستشارة المحامي الخبير في مثل هذه القضايا الأستاذ جابر اتصلا به وحجزا موعد عمل لاستشارته في الموضوع وصلا إلى مكتبه في موعدهم المقرر استقبلهم في مكتبه الفخم و ما أن دخل المهندس رئيس البلدية على المحامي حتّى استذكر الاثنان كيف و أين التقيا سابقاً إنّك الشخص الّذي رافقني عندما عاينت بيت أبو محمد و قدّمت تقرير الخبرة للمحكمة ..نعم ..نعم أنت الخبير المهندس ابتسم المحامي لقد عملنا عملاً جيّداً يومها وقد كنت متعاونا وأنصفنا هذا المسكين أجابه رئيس البلدية إننا هنا لذات المسألة لقد تبيّن أن المحكمة قد حكمت على البلدية التي صرت رئيسها الآن بمبلغ كبير سيؤثّر على الكثير من المشاريع الّتي سنقوم بها و قد جئنا نطلب من سعادتكم حلّاً للقضيّة فأنت صاحب خبرة واستاذ قدير لك باع طويل في القانون …
فكّر الأستاذ جابر قليلاً ثمّ تطلع صوب رئيس البلدية والخبير الهندسي السابق في المحكمة أننا أمام حل وحيد لا ثاني له وهو أن ننقض قرار محكمة الاستئناف مصحوباً بتشكيك في تقرير الخبرة الهندسية و بنزاهة الخبير الّذي كتبه و الّذي استندت إليه المحكمة في استصدار الحكم وبموجبه أدان القاضي البلدية و نطلب من محكمة النقض تشكيل خبرة ثلاثية تعيد تقييم الأضرار وأنا واثق أن تقريرهم سيكون لصالحنا ان نحن جهزنا سلفا مظاريف ثلاثة تليق بمقام السادة الخبراء في اللجنة الثلاثية ولابأس أن تكون أسمك قليلا من المظروف الّذي استقرّ في جيب سيادتكم حينها .. يا أستاذ حيدر.
عذراً التعليقات مغلقة