بالعيد ترتبط مجموعة من الأغنيات الجميلة الخالدة، التي تحضر بكل بهاء في كل عيد، ولكل واحدة منها حكاية وتاريخ. وفي ذهني الآن ثلاث أو أربع من هذه الأغنيات، بودي أن أقف أمامها كلها، لكن مساحة الزاوية لن تتسع، لذا سأكتفي بالحديث، اليوم، عن واحدة من أشهرها وأجملها، هي أغنية السيدة أم كلثوم: «يا ليلة العيد». آملاً أن أتمكن في حديث لاحق، ربما غداً، من تناول سواها، طالما نحن في أجواء العيد.
كتب كلمات هذه الأغنية الشاعر الأقرب إلى نفس أم كلثوم ومزاجها: أحمد رامي، ولحّنها الموسيقار رياض السنباطي. وقُدمت الأغنية، أول ما قدمت، في فيلم «دنانير» الذي مثّلت فيه أم كلثوم، وصادف أن عُرض الفيلم في صالات السينما، أول مرة، في شهر رمضان المبارك، حيث يترقب الناس، بعد انتهائه، مجيء عيد الفطر السعيد، فتكّون انطباع لدى الناس أن الأغنية كُتبت ولحنت وغنيت خصوصاً للعيد القادم.
بعد ذلك ستغني أم كلثوم الأغنية في حفل أقيم ليلة وقفة العيد عام 1944، بالنادي الأهلي، وعنى هذا الحفل الكثير لأم كلثوم، لأن الملك فاروق حضر الحفل، بطريقة بدت مباغتة للجمهور، وربما لأم كلثوم نفسها، لأن الملك حضر وهي تغني، وليس قبل أن تبدأ، فضجّ الحضور تصفيقاً ترحيباً به، فيما توقفت أم كلثوم عن الغناء ريثما ينتهي التصفيق وتعود القاعة إلى الصمت.
وبرغبة تحية الملك، وتعبيراً عن سرورها بحضوره حفلتها، تصرفت أم كلثوم بسرعة، فارتجلت تعديلاً على كلمات كوبليه من الأغنية، حيث غيّرتها إلى: «يا نيلنا ميتك سكر/ وزرعك في الغيطان نور/ يعيش فاروق ويتهنى/ ونحيي له ليالي العيد)، بدلاً من: «يا نيلنا ميتك سكر/ وزرعك في الغيطان نور/ تعيش يا نيل وتتهنى/ ونحيي لك ليالي العيد».
أثار ذلك غبطة الملك ورضاه، فأنعم عليها ب «نيشان الكمال»، الذي يقال إنه يمنح للسيدات فقط، حيث استدعاها بعد الحفل وصافحها، فيما مذيع الحفل يعلن أن «الملك فاروق أنعم على الآنسة أم كلثوم بنيشان الكمال».
بعد سنوات لم يعد الملك ملكاً، أما الأغنية فظلت تعيش بيننا ومعنا، عابرة للزمن، وجيلاً وراء جيل، ظلّ الناس يرددون مع أم كلثوم، خاصة في مواسم الأعياد، الكلمات الرائعة للأغنية بلحنها الذي أجاده السنباطي، ويقول مطلعها:
يا ليلة العيد آنستينا.. وجددتي الأمل فينا/
هلالك هل لعنينا.. فرحنا له وغنينا/
وقلنا السعد حيجينا.. على قدومك يا ليلة العيد/
جمعتِ الأنس ع الخلان.. ودار الكاس على الندمان/
وغنى الطير على الأغصان.. يحيي الفجر ليلة العيد/
حبيبي مركبه تجري.. وروحي في النسيم تسري/
قولوا له يا جميل بدري.. حرام النوم في ليلة العيد».. إلخ.
* د. حسن مدن كاتب من البحرين
المصدر: الخليج – الشارقة