بقلم: صالح القلاب
ستبقى فكرة التدخل العسكري العربي في سوريا مطروحة إلى أن تطرأ مستجدات، إن متوقعة وإن غير متوقعة، لحسم الأمور وترجيح الكفة إن في هذا الاتجاه وإن في ذاك، فالتدخل الدولي الذي كثر الحديث عنه والذي طال أمد انتظاره يبدو أنه أصبح غير وارد وغير متوقع، وذلك على الرغم من أن هناك معلومات متداولة في أطر ضيقة جدا تشير إلى أن الموقف الأميركي، الذي اتسم بالميوعة، سوف يتغير وسيتحول من التردد إلى الحسم حتى قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في بدايات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
لكن لأن هذا الموقف الأميركي الذي يقال إنه سيتغير قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة غير مؤكد، ولأنه لا يوجد في الأفق ما يشير إلى أن الأوروبيين والأتراك سيتخذون مواقف أكثر حزما وحسما وجدية، فإنه لا بد من أخذ فكرة التدخل العسكري العربي على محمل الجد طالما أن أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قد أثارها في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأخير، وطالما أن الرئيس المصري محمد مرسي – كما أشيع – قد استجاب وأبدى تأييده «من حيث المبدأ» على الفور، وذلك مع أنه تراجع لاحقا لأسباب غير معروفة.
والمؤكد أن أمير قطر لم يلجأ إلى إلقاء هذا الحجر الكبير في بركة العرب الراكدة والآسنة إلا بعدما نفد صبره وفقد الأمل بأي تدخل دولي جدي، لا من خلال حلف شمال الأطلسي كما حصل في ليبيا، وقبل ذلك كما حصل في البلقان وكوسوفو، ولا من خلال ما بقي مطروحا منذ البدايات بتوفير حماية جوية للمناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر في الأجزاء الشمالية السورية ومن بينها مدينة حلب، التي من المتوقع أن يؤدي خروجها نهائيا من قبضة جيش بشار الأسد النظامي إلى تغييرات جذرية في المعادلة العسكرية على الأرض، وإلى مستجدات هامة في المواقف العربية والدولية.
وبالطبع فإن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني كان يعرف، عندما بادر إلى تفجير هذه القنبلة السياسية في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة وأمام العديد من رؤساء الدول المشاركة، أن الوضع العربي «لا يسر الصديق ولا يغيظ العدا»، وأنه ينفخ في قربة مثقوبة، وأن دخول العرب عسكريا على خط الأزمة السورية يحتاج إلى إرادة سياسية موحدة، وأنه يحتاج أيضا إلى إدراك أن هذه الحرب المحتدمة في سوريا هي حرب مواجهة التمدد الإيراني الذي إن لم يجر استيعابه وبسرعة فإنه لن يستثني حتى ولا دولة عربية واحدة.
ثم إن مما لا شك فيه أن أمير قطر عندما ألقى هذا الحجر في البركة العربية الآسنة كان يعرف هذا كله، وأنه يعرف أن أكثر ما ينطبق على هذا الوضع العربي المأساوي هو أغنية فيروز الشهيرة التي تقول فيها: «لا تندهي ما في حدا»، لكن مع ذلك فإنه قد لجأ إلى هذا الذي لجأ إليه من قبيل لعل وعسى أن يدرك العرب أن تحركهم و«تململهم» على الأقل سيجعل الغرب، الذي للأسف لا تعويل إلا عليه، يأخذ الأمور بمنتهى الجدية ويفهم أن انكسار الثورة السورية وفوز بشار الأسد الذي هو فوز لإيران ولروسيا سيعني تغيير المعادلة التقليدية في هذه المنطقة الشرق أوسطية الاستراتيجية، وسيعني معادلة جديدة بديلة لا مكان فيها لا للأوروبيين ولا للأميركيين ولا لحلفائهم الذين يواجهون الآن تمددا إيرانيا زاحفا، عنوانه كل رؤوس جسور النفوذ التي أقامتها دولة الولي الفقيه في الشرق الأوسط كله.
إن استجابة الرئيس محمد مرسي للدعوة القطرية، التي تراجع عنها، تدل على كم أن الوضع العربي محبط ومخيب للآمال، فالرئيس المصري، ومع أن نواياه – لا شك – صادقة وأن مواقفه مبدئية وتستحق التقدير، لم يجد ما يستنجد به لتحقيق فكرة التدخل العسكري العربي في الوضع السوري الذي غدا بمنتهى الخطورة إلا لجنة الاتصال الرباعية التي تضم مصر وإيران وتركيا والمملكة العربية السعودية، والتي بات مؤكدا أنها قد ولدت ميتة وأنها لم تستطع أن تعقد إلا اجتماعا واحدا بجميع ممثلي الدول المشاركة، هو الاجتماع الأول، وحيث انعقد الاجتماع الثاني بغياب المندوب السعودي، بينما لم ينعقد الاجتماع الثالث الذي كان من المفترض أن يتم على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة.
والغريب أن الرئيس محمد مرسي، الذي أبدى مواقف مبدئية وواضحة وحاسمة لا لبس فيها تجاه الأزمة السورية، لم يجد ما يراهن عليه كـ«نواة» لهذا التدخل العسكري العربي المطلوب إلا لجنة الاتصال الرباعية.. هذه اللجنة التي بات في حكم المؤكد أن المملكة العربية السعودية أصبحت خارجها، والتي تضم إيران الدولة التي سارعت منذ اللحظة الأولى إلى دخول هذه الحرب القذرة المدمرة من أوسع الأبواب، إن بالسلاح وإن بالأموال وإن بالمقاتلين من فيلق القدس وغيره.
فهل خاف على الرئيس المصري أن إيران تعتبر هذه الحرب المحتدمة في سوريا هي حربها، وأن مرشد الثورة علي خامنئي قد وجه تأنيبا قاسيا لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني لأنه لم يتمكن «حتى الآن»!! من تدمير الثورة السورية؟
لا يمكن أن يكون هناك أي وضوح بالنسبة للموقف الإيراني تجاه كل هذا الذي يجري في سوريا أكثر من هذا الوضوح، ولهذا فإن المفترض أن يطوي الرئيس محمد مرسي صفحة لجنة الاتصال الرباعية هذه، وألا يراهن على الجامعة العربية التي في ضوء عدم وجود أي إجماع فيها تجاه الأزمة السورية لا يجوز توقع أن تفعل أكثر مما فعلته، فهي فشلت فشلا ذريعا منذ البدايات، مما يعني أنه يجب البحث عما يمكن فعله عربيا خارج هذه الدائرة، ومن خلال التركيز على ما يمكن أن تفعله الدول المتقاربة المواقف تجاه ما يجري في هذه الدولة الشقيقة التي غدت مهددة بوحدتها وأيضا ببقائها كدولة.
وحقيقة وبكل صراحة إنه لا أمل إطلاقا بأي تدخل عسكري عربي جدي، وبأي شكل من الأشكال في الأزمة السورية، فأوضاع العرب مأساوية والجامعة العربية تعيش حالة كساح قاتلة، والاتفاق العربي على خطوة خطيرة كهذه الخطوة لا هو متوقع ولا هو ممكن، وكذلك فإن الدول العربية ذات المواقف الواضحة تجاه هذه الأزمة غير قادرة على تحمل عبء بكل هذا الحجم وبكل هذه الخطورة دون أن تكون هناك مشاركة دولية رئيسية، إن من خلال مجلس الأمن أو من خارجه، ولهذا فإنه لا بد من التركيز على الاستمرار بتقديم المزيد من الدعم الحقيقي للمعارضة السورية المسلحة وللجيش السوري الحر، مع استمرار العمل على توحيد هذه المعارضة وتوحيد هذا الجيش، ومع الدفع في اتجاه أن يكون هناك حظر جوي سريع وبالقوة على الأجزاء الشمالية السورية التي يعتبرها الثوار السوريون مناطق محررة تشكل نقاط ارتكاز استراتيجية لإسقاط نظام بشار الأسد وإقامة النظام البديل المنشود.