وزراء الأردن: «نوم» قسري في فراش «الأشباح»

محمود زين الدين18 فبراير 2022آخر تحديث :
الأردن

أي رئيس الحكومة يخصص عادة أكثر من 70 بالمئة من وقته في مهمة معقدة اسمها «إرضاء العاملين بمؤسسة القصر»!

الوزير بالأردن شخصية مسكينة تحتاج لإرضاء الجميع وتقمص الارتياب وكلمة الجميع تبدأ من علية القوم وكبار الطبقات العليا وتنتهي بأعضاء مجلس النواب

الإصغاء إلى الوزير الأردني وهو يشتكي ويتذمر ويحاول الدفاع عن نفسه، يؤدي لخلاصة أكيدة بأن المساكين من الوزراء ينامون ويستيقظون مع تلك الأشباح.

الشبح الحقيقي صرف وقت كثير لقياس ومقاربة وموازنة الفارق بين ما يريده عقل الدولة وقرارها وما يريده كبار الموظفين في ذلك العقل مما يسمح بالاجتهاد والشخصنة.

* * *

بقلم: بسام البدارين

«الأشباح» التي يعمل معها الوزير في أي حكومة أردنية تبدو طريفة جدا في بعض الأحيان، لأن الإصغاء إلى الوزير الأردني وهو يشتكي ويتذمر أو يحاول الدفاع عن نفسه، يؤدي إلى خلاصة أكيدة بأن المساكين من الوزراء ينامون ويستيقظون مع تلك الأشباح.
طبعا تلك استعارة تعبيرية، لكنها من الصنف الذي يدفع باتجاه التحدث ولو قليلا عن تلك الأشباح، ليس من باب التعاطف مع أي وزير، ولكن من باب التطرق لصفحة مسكوت عنها تماما ودوما عنوانها «كيفية وآلية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء».
الشبح الأول وزعيم الأشباح وسيدها بدون منازع هو كيفية العبور بين ألغام كبار موظفي المؤسسات السيادية الأخرى التي تشارك الحكومة في فراشها، وتجبرها على النوم معها أحيانا وتتدخل في تفاصيل التفاصيل.
هنا ليس سرا أن رئيس الحكومة بالعادة ـ أي رئيس حكومة ـ يخصص ما يزيد عن 70 في المئة من وقته في مهمة معقدة اسمها «إرضاء العاملين بمؤسسة القصر»…
وما يلفت النظر هو أن العلاقة بين مؤسسة القصر كمصدر للقرار والتوجيه ورسم السياسات ومقر رئاسة مجلس الوزراء محكومة أصلا بالنص بعيدا عن الاجتهاد حيث خطابات التكليف الملكية، لكن بعض الرؤساء يبالغون في التشاور وطلب المعونة والمساندة وحل مشكلاتهم بسبب تعدد المرجعيات.
والشبح الحقيقي هنا ليس مؤسسات سيادية من حيث ما تريده ولا تريده فقط، بل صرف الكثير من الوقت في قياس ومقاربة وموازنة الفارق بين ما يريده عقل الدولة وقرارها، وما يمكن أن يريده كبار الموظفين في ذلك العقل، مما يسمح بالاجتهاد أحيانا والشخصنة.
إرضاء كبار الموظفين مهمة ليست سهلة، لا بل معقدة وتحتاج لوزير من نمط «توم كروز» على الأقل دوما، فأي جهة يمكن أن تشوه سيرة وسمعة أي وزير، فتظهره إما ديناصورا أو ليبراليا من الصلعان أو مستوزرا فقط وبطيئا ومترهلا، وهي اتهامات معلبة على شكل أشباح تلاحق الوزير في كل أروقة وستائر وزارته، وينتج عنها بالعادة حزمة كبيرة من الأشباح الصغيرة التي تراقص الوزير أو تعرقله أو تراقبه أو تمارس النميمة معه أو ضده من داخل وزارته، وأحيانا من بين كبار موظفيه ومستشاريه لا بل من سكرتيرته في بعض التفاصل.
الوزير في الأردن ليس أكثر من شخصية مسكينة تحتاج لإرضاء الجميع عبر تقمص حالة الارتياب، وكلمة الجميع تبدأ من علية القوم وكبار سكان الطبقات العليا وتنتهي بأعضاء مجلس النواب وشيوخ العشائر، وحتى الموظف المختص بجلب القهوة لمعاليه، وأي وزير مهما بلغ من العلم والخبرة تراه يعمل وكأن الريح تحته، لأنه ببساطة يتقافز بين أشباح صغيرة ومتوسطة وكبيرة، فيما ينتقده الجميع في الشارع والدولة ويلقي في وجهه تهمة «الإخفاق في اتخاذ القرار».
كيف يمكن لأي شخص أن يتخذ أي قرار وهو ينام خائفا وقلقا من شبح عملاق، فيما يستيقظ ويتعامل مع أشباح صغيرة، خصوصا شريحة الموظفين الذين يتجسسون أحيانا على وزيرهم، أو من مندوبي هيئات الشفافية ومراقبة الفساد الذين يعملون ضمن الكادر، وبإمكانهم الاحتراف او الإفتراء.
لا يتعلق الأمر فقط بإرضاء القيادة ورأس الدولة، فذلك مطمح الغفير قبل الوزير، وسر ثبات الدولة، ولكن بإرضاء المؤسسات الأمنية أيضا، أو تجنب إغضابها وبإرضاء المؤسسات السيادية ومراكز التشخيص المتعددة، حيث أشباح ترتدي زي الوطنية أو لباس الحق والحقيقة، وفي بعض الأحيان أشباح ذكية جدا قادرة على عرقلة الوزير بظله، لا بل بعضها مثقف للغاية ومحترف في صناعة محارق لأي وزير.
شبح ثالث مضحك جدا فكرته أن الوزير في الحالة المحلية يصبح وزيرا وبعد أداء القسم بساعة، يتعامل يوميا مع كل تفصيلة تقول له بأن لقب وزير سابق أو «مستقيل» أو«قيد أول تعديل» قريب جدا، حيث لا يوجد ولا وزير واحد في الحكومات الأردنية يثق ويطمئن إلى وجوده شهرا كاملا في وظيفته، فيما شبح إرضاء شخص رئيس الوزراء، وأحيانا نائبه موجود بكثافة في السيارة والمنزل وفي مصعد رئاسة الوزراء.
وأخطر الأشباح وزير زميل آخر لا يجالس رئيس الوزراء إلا هو ويعتبره الأقرب، ويصنف بعد اختياره من الرئاسة برتبة الوزير الأكثر حظا وليس عملا. إضافة لكل ذلك شبحان عملاقان يفرضان ظلالهما بقسوة ويحيطان بالوزير حتى وهو يتحدث مع أولاده أحيانا.
شبح منصات التواصل والافتراء والفبركة، وكل ما يحصل من كوارث بدون كلفة قانونية على منصات التواصل التي تهاجم كل شيء. ثم شبح هيئات الفساد ومكافحته التي يمكنها أن لا تتورع عن حرق أي موظف في أي لحظة، مما يجعل اتخاذ قرار يطالب به المرجع بحد ذاتها عملية شبحية بإمتياز، فالوزير يعمل وهو يحاول تجنب أي سقوط محتمل وبالشبهة وليس بالوثيقة أو الدليل.

* بسام البدارين كاتب صحفي وإعلامي أردني
المصدر| القدس العربي

موضوعات تهمك:

فقط في الأردن: ديمقراطية بدون ديمقراطيين

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة