والبنــــــــون
ولليوم الثالث ترقد في وسط السرير جثتي جحافل النمل تتكدس بين أصابع كفي ، وقدمي تحمل فتات من لحمي المهترئ وتمضي به إلى مساكنها، وكتائب من الذباب يطن ويقف على باب فمي الموارب، وفوق عيني . ما كان علي أن أفتح فمي. ربما هممت لأقول شيئا لملك الموت قبل أن يستل روحي ، ربما حاولت معه أن يمهلني لحظات لأهاتف ابنتي .. أو ربما فتحت فمي فزعا” ورعبا” لهول المشهد حين تقدم مني ..ربما ! .الملكان اللذان كانا يسجلان كل صغيرة ، وكبيرة تصدر عني. يقفان الآن عند رأسي يومضان من وقت لآخر، يقلبان النظر بين أوراقي الملأة بجهالاتي وبيني، ويزفران بأسى. .أين ابنتي؟ ..تتكاثر البكتريا بداخلي تلد كائنات شرهة، تسعى بنهم شديد في أمعائي، ومعدتي، ورئتي ،وكبدي.. يدي الطيفية لا تملك الزود عني. . من وقت لآخر يدق هاتفي .. قد تكون ابنتي ، تتصل لتطمئن علي ، وتعتذر عن عدم المجيء ، لا شك أن لديها ما يشغلها بيتها، وعملها ،وزوجها وأولادها .طال مرضي وكثر اعتذارها ! . في الساعات الأولى من هذا الصباح كان هناك من يطرق بابي تمنيت أن تكون لدي القدرة لأصرخ مستغيثة بالطارق، تمنيت أكثر أن تكون ابنتي لتأخذ ذلك الحلي الذي يغوص الآن في ثنايا يدي المنتفخة ، ولتأخذ ما ادخرته من معاش والدها لتأتي لي ببضعة أمتار من القماش الأبيض ، وصابونة ، وزجاجة عطر لتغسل جثتي المتهالكة ، وتلفها في القماش وتنثر عليها بعض العطر، لتسترني وتواري سوءتي قبل أن تفوح رائحة الموت فيفزع من حولي من الجيران . النهار يتقدم وجثتي تتآكل وتزداد انتفاخا”؛ أين أنت يا ابنتي ؟ كثيرون الآن يدقون بابي ..هل لاحظ الجيران اختفاء صوت سعالي ؟ أم أن ما أخشاه قد حدث، وتسللت رائحتي لتعلن عن موتي ؟ ألهذا اقتحموا شقتي ؟ .. كثيرون أتوا .. يهزون رؤوسهم بأسى ،ويمسكون بأنوفهم خشيت أن تتسلل رائحة الموت لصدورهم تقدمت امرأة مني والقت بطرف الملاءة على وجهي وجزء كبير من جثتي .. وجوه كثيرة تأتي وأخرى تغادر ليس بينهم وجه ابنتي ! ..اين ابنتي
***
جمالات عبد اللطيف محمد – مصر
كاتبة قصة ورواية / عضو اتحاد كتاب مصر / محاضر مركزي /الرئيس السابق لنادي أدب طهطا
اقرأ/ى أيضا:خالد يوسف الثائر الاشتراكي الجنسي والتقدمي الخلفي وصاحب رسالة الفن التحتية
اقرأ/ى أيضا: أهم الأخبار الفنية والثقافية فى العالم العربى والغربى هنا
لكي لا تختلط الامور نرجو ان تقرأ:تعريف الطائفية والزعماء الطائفيين
عذراً التعليقات مغلقة