اتفق محللون سياسيون فلسطينيون على أن استمرار حالة الانقسام السياسي الفلسطيني، يُعيق عملية إنهاء “الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية”، ويطيل أمدها، مستدلين بنجاح
هبّة أهالي مدينة القدس، في إجبار إسرائيل على إلغاء إجراءاتها الأخيرة بحق المسجد الأقصى.
وأجمع المحللون، على أن الوحدة الوطنية، هي الأداة الوحيدة القادرة على إنهاء “الاحتلال الإسرائيلي”، وتحقيق الدولة المستقلّة غير انهم استبعدوا أن تشهد المرحلة الفلسطينية المقبلة تراجعاً نسبياً في حدّة الانقسام بين الفصيلين المتخاصمين (فتح، وحماس).
ويسود الانقسام السياسي أراضي السلطة الفلسطينية، منذ منتصف يونيو/حزيران 2007، إثر سيطرة “حماس” على غزة، بينما بقيت “فتح” تدير الضفة الغربية، ولم تفلح وساطات إقليمية ودولية في إنهاء الانقسام الفلسطيني.
ويقول المحلل السياسي طلال عوكل، الكاتب في صحيفة “الأيام” الفلسطينية الصادرة من الضفة الغربية، إن “الانقسام الفلسطيني يقف عائقاً أمام تحقيق الشعب لأي إنجاز في مسيرته لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي”.
ويعتبر عوكل “الوحدة الوطنية” التي تمسّك بها الفلسطينيون خلال مواجهتهم للإجراءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى بمدينة القدس، هي مفتاح الإنجاز الذي حققوه هناك.
وتابع:” الهبة الشعبية بالقدس، قامت على قاعدة الوحدة الوطنية، وبدا ذلك من خلال دور المرجعيات الدينية والوطنية، والموقف الحازم للسلطة والفصائل الفلسطينية، والاتصالات التي أجرتها بعض الدول العربية لإنهاء تلك الإجراءات (الإسرائيلية)”.
وشهدت مدينة القدس مؤخرا هبة شعبية، أجبرت إسرائيل على إلغاء قرارات اتخذتها بحق المسجد الأقصى، شملت فرض إجراءات أمنية بحق المصلين.
وأيدت حركتا فتح وحماس، وبقية الفصائل الفلسطينية الهبّة الشعبية، ودعمتها، وهو ما وفر لها فرص النجاح، بحسب المراقبين.
ولا يعتقد عوكل أنه يمكن للفلسطينيين تكرار الإنجاز الذي حققه “المقدسيين” في المسجد الأقصى، مرجعاً ذلك لحالة الانقسام، الذي يعاني منه مكونات النظام السياسي الفلسطيني، والفصائل.
ويقول:” بدون وحدة وطنية، لا يوجد مجال لتحقيق إنجازات وانتصارات أخرى على الساحة الفلسطينية، كما حصل في القدس”.
ويستبعد المحلل السياسي إمكانية حصول الفلسطينيين على دولتهم المستقلّة وإنهاء حالة “الاحتلال الإسرائيلي”، في ظل استمرار الانقسام الفلسطيني.
ويضيف:” يبدو أن الطريق إلى الوحدة الوطنية طويل، ويزداد بعداً في كل يوم، في ظل زيادة العقبات التي يضعها الطرفان المتخاصمان، أمام إنجاز ملف إنهاء الانقسام”.
ويوضح أن العقبات الحالية التي تقف أمام إنجاز ملف “المصالحة الفلسطينية”، أكثر عمقاً من تلك التي كانت قبل عامٍ تقريبا.
ويضيف:” “قبل سنة، كان الحديث يتم حول تشكيل وحدة وطنية، أما اليوم فالإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية بحق قطاع غزة، وتقارب حماس مع المفصول من حركة فتح، محمد دحلان يعمّقان من الانقسام”.
وشارك دحلان في جلسة المجلس التشريعي التي عقدت الخميس الماضي، في قطاع غزة، حيث ألقى كلمة عبر تقنية “الفيديو كونفرس”.
وبحسب مراقبين، فإن قرارات اتخذها الرئيس محمود عباس، ضد قطاع غزة، مؤخرا، شملت تقليص الرواتب وإمدادات الكهرباء والصحة، وبررها بمحاولة إجبار حماس على إنهاء “الانقسام”، دفعت بالحركة ودحلان للتقارب.
ويرى عوكل أن الحلول الأنسب لإنهاء حالة الانقسام، وتحقيق الوحدة الوطنية، هي عودة مصر لرعاية ملف المصالحة.
ويقول عوكل:” مصر هي مفتاح، وبوابة الوحدة الوطنية، يمكنها أن تفعل شيئاً مجدياً في طريق إنهاء الانقسام الفلسطيني”.
ويتفق معه، المحلل والكاتب السياسي جهاد حرب، قائلاً:” “الوحدة الوطنية هي قوة الدفع الأساسية للفلسطينيين، والأداة الوحيدة، التي يمكن من خلالها مواجهة الاحتلال الإسرائيلي”.
ويضيف، خلال:” الوحدة تعني توحيد استخدام الوسائل النضالية والمقاومة لإنهاء حالة الاحتلال والتأسيس لدولة مستقلة”.
ويعتقد حرب أن وحدة الفلسطينيين في مدينة القدس، خلال دفاعهم عن المسجد الأقصى، حققت إنجازاً كبيراً، بعد أن ساهمت في “توسيع المشاركة الشعبية”.
وفي الفترة الراهنة، يرى حرب أن الانقسام الفلسطيني وصل إلى حالة من “المأسسة”، وصولاً للمرحلة الأخيرة والتي تُعرف بـ”الانفصال”.
ويقول إن المؤشرات السياسية على أرض الواقع تدل على أن الحالة الفلسطينية ذاهبة نحو “الانفصال التام بين قطاع غزة والضفة الغربية”.
ويردف:” حالة الانفصال تزيد من الخسائر الفلسطينية، ويضع عملية إنهاء الاحتلال بعيدا عن جدول الانجازات الفلسطينية”.
وعن المؤشرات السياسية التي تجسّد حالة “الانفصال الفلسطيني”، يذكر حرب أن جلسة التشريعي التي عقدت، الأسبوع الماضي، وجمعت “حماس”، والمفصول من حركة “فتح”، محمد دحلان، مثالاً لتلك الحالة.
وبناء على ذلك، لا يستبعد المحلل السياسي من أن تشهد المرحلة المقبلة، إقامة حكومة فلسطينية منفصلة في قطاع غزة، دون الضفة الغربية.
ولتجاوز حالة الانقسام، يرى حرب أن المطلوب فلسطينياً هو استلهام حالة الغضب الشعبي الموحّد الذي كان في مدينة القدس.
ويتابع:” الانقسام لا ينتهي الا بحركة شعبية في الميدان للضغط على الأطراف المنقسمة إما لإنهاء الانقسام، أو لإزالة النظام السياسي بغزة والضفة الغربية”.
وبدوره، يقول المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، الكاتب في بعض الصحف الفلسطينية المحلية:” بعض المسؤولين الإسرائيليين وصفوا الانقسام الحاصل بنكبة الفلسطينيين الثانية، وعملوا على تعميقه بعدة طرق، لضمان استمراره، لأنهم مستفيدون من هذه الحالة”.
ويذكر إبراهيم أن العلاقات الوطنية، داخل مكونات النظام السياسي الفلسطيني الواحد، وبين الفصائل، وصلت إلى حالة خطيرة من التدهور، وأثّرت على عدة قضايا محورية، أبرزها “إنهاء الاحتلال”.
ويتابع قائلاً:” أدى استمرار الانقسام إلى غياب الموقف الفلسطيني الموحّد أمام المجتمع الدولي، وأمام الأشقاء العرب، كما أثّر على توجّهات الناس، وأسلوب حياتهم بعد أن أصابهم بحالة من الاحباط”.
ورغم وحدة الموقف الوطني الذي جسّده الفلسطينيون في مدينة القدس، خلال دفاعهم عن المسجد الأقصى، إلا أن الاستراتيجية الوطنية لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية، كانت مغيّبة، بحسب إبراهيم.
ويتابع: “هذا الإنجاز والنصر مخصص للمقدسيين فقط، إذ عايشنا على المستوى الرسمي مواقف فلسطينية متضاربة”.
ومؤخراً، أدت المواقف العامة للفصيلين المنقسمين إلى تعزيز حالة الانقسام وتعميقها، من خلال إجراءات السلطة الفلسطينية الأخيرة في قطاع غزة، وتقارب “حماس” مع “دحلان”، وفق إبراهيم.
ويستكمل قائلاً:” أثناء معركة الأقصى، عقدت جلسة في المجلس التشريعي، جمعت حماس مع دحلان، وكانت سقطة سياسية”.
ويعتقد إبراهيم أنه كان يفترض على حركة “حماس” تأجيل تلك الجلسة التي من شأنها أن تعمّق الانقسام الفلسطيني، للبناء على ما تم إنجازه في مدينة القدس، من انتصار، في محاولة لاستعادة حالة الوحدة الوطنية، على المستوى الرسمي.
ويشكك إبراهيم أن يحصل تقارب بين الفصائل المنقسمة، خلال الفترة القادمة، متوقعاً استمرار حالة الانقسام وزيادة حدّته.
وعن الحلول المقترحة لتجاوز حالة الانقسام، يرى إبراهيم أن الفصائل مُطالبة بالاتفاق على استراتيجية وطنية لمواجهة “الاحتلال الإسرائيلي”، وتغليب المصلحة الوطنية والبناء على اتفاقات المصالحة السابقة.
وكالات