“التنمر”، شبح حقيقي بات يواجه الأطفال في عمر الصغر، و يسعى للقضاء على مستقبلهم.
لم تخلو المجتمعات من آفة التنمر أو Bullying منذ العصور الماضية، إلا أن التوعية بمخاطره في عصر السرعة سلّط الضوء على مخاطره.
هل يواجه طفلي شبح التنمر؟؛ سؤال أصبح يطرح نفسه بقوة في العالم، و خاصة مع ازدياد سوء الحالة النفسية للأطفال.
و عن أسبابه، و طرق علاجه، و وقاية طفلك من مخاطره، نقدّم لكِ المقال التالي، لكن في البداية يجب أن تعرفِ ما هو مفهومه..
المحتويات
مفهوم التنمر
التنمر هو ظاهرة عدوانيّة، تنطوي على مُمارسة السلوك العدواني من قبل فردٍ أو مجموعة أفراد نحو غيرهم.
وتنتشر هذه الظاهرة بشكلٍ أكبر بين طلّاب المدارس، وبتقييم وضع هذه الظاهرة يتبيّن أن سلوكيّاتها تتّصف بالتّكرار.
قد تحدث أكثر من مرة، كما أنها تعبّر عن افتراض وجود اختلال في ميزان القوى والسّلطة بين الأشخاص.
إن الأفراد الذين يمارسون التنمر يستخدمون القوّة البدنيّة للوصول إلى مرادهم من الأفراد الآخرين.
وفي الحالتين، سواءً كان الفرد من المتنمرين أو يتعرّض للتنمر، فإنه معرّض لمشاكل نفسيّة خطيرة ودائمة.
الأب الروحي للتصدي إلى ظاهرة التنمر
يعد النرويجي “دان ألويس” هو الأب المؤسس للأبحاث حول التنمر في المدارس .
و يعرف ألويس التنمر المدرسي بأنه أفعال سلبية متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر، تتم بصورة متكررة.
وقال إن هذه الأفعال السلبية ممكن أن تكون بالكلمات مثل: التهديد، التوبيخ، الإغاظة والشتائم.
كما يمكن أن تكون بالاحتكاك الجسدي كالضرب والدفع والركل ، أو بالإيماءات مثل التكشير بالوجه أو الإشارات غير اللائقة، بقصد وتعمد.
وأوضح ألويس أن خطورة التنمر تبدأ في حالة عدم التوازن في الطاقة أو القوة، أي في حالة وجود صعوبة الدفاع عن النفس.
كما أكد أن المزاح الثقيل المتكرر، مع سوء النية واستمراره بالرغم من ظهور علامات الضيق والاعتراض لدى الطالب الذي يتعرض له، يدخل ضمن دائرة التنمر .
و أضاف أن التنمر يؤدي إلى عواقب وخيمة على مسار الطفل الدراسي و صحته النفسية تصل في بعض الأحيان إلى درجة الانتحار .
لكن المفاجأة في إشارته إلى أن المتنمر هو نفسه ضحية للتنمر، فهم ضحايا سوء التنشئة، و كلا الضحيتان تحتاجان للعلاج النفسي والسلوكي.
أنواع التنمر
ينقسم التنمر إلى ثلاثة أشكال رئيسية وهي:
اللفظي
ويشمل الإغاظة والسخرية والاستفزاز والتعليقات غير اللائقة والتهديد.
الجسدي
والذي يتمثل في الضرب والعنف والصفع والطعن وغيرها من طرق الإيذاء البدني.
و يندرج التنمر اللفظي والجسدي تحت فئة التنمر المباشر الذي يتعرض له الطفل.
العاطفي
و يأتي ذلك من خلال الإحراج الدائم للشخص ونشر الشائعات حوله.
إلى جانب رفض الاختلاط معه ونقده من حيث الملبس، العرق، اللون، و الدين وغيرها من الأمور.
ويتبع التنمر العاطفي فئة التنمر غير المباشر.
أسباب التنمر
أفادت الدراسات بأن أسباب ظهور التنمر في المدارس، يعود إلى التغيّرات التي حدثت في المجتمعات الإنسانية.
لكن عامة تنقسم الأسباب إلى الفئات التالية..
الفوارق الاجتماعية
في ظل وضع سوسيولوجي يتسم باتساع الهوة و الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، تتسع تلك الآفة في المجتمع .
ويعتبر المتنمر من الشخصيات المضادة للمجتمع ، و تكمن خطورة هذا النوع في إمكانية تحوله خارج المدرسة إلى مشروع مجرم.
كما يمكن أن يلجأ الطفل إلى العنف نتيجة مرضه واضطراباته السلوكية التي تحتاج إلى علاج وتدخّل من أشخاص مهنيين.
فأحياناً تعود أسباب التنمر إلى اضطرابات نفسية قد تحتاج إلى علاج دوائي.
الأسباب الأسرية
تسعى المجتمعات المعاصرة إلى تلبية الاحتياجات المادية للأبناء، مقابل إهمال الدور الأهم الواجب عليهم بالنسبة للطفل.
و يعد الدور الأهم هو المتابعة التربوية وتقويم السلوك وتعديل الصفات السيئة و التربية الحسنة .
و قد يحدث هذا نتيجة انشغال الوالدين عن تربية أبنائهما و متابعتهم ، مع إلقاء المسؤولية على غيرهم من المدرسين أو المربيات في البيوت .
كما يعتبر العنف الأسري من أهم أسباب التنمر ، فالطفل الذي ينشأ في جو أسري يطبعه العنف ، لابد أن يتأثر بما شاهده.
لذلك فإنه يميل إلى ممارسة العنف على الطلبة الأضعف في المدرسة .
كذلك الحماية الزائدة عن الحد تعيق نضج الأطفال وقد تظهر لديهم أنواع الخوف.
فالحماية الأبوية الزائدة تقلل من شأن الطفل وتضعف من ثقته بنفسه.
الأسباب المدرسية
نتيجة لزيادة معدلات العنف في المدارس المعاصرة، اجتاحت ظاهرة التنمر براءة الأطفال.
فوصل العنف إلى حد الاعتداء اللفظي و الجسدي على المدرسين من طرف الطلاب و أولياء أمورهم.
و يمكن أن يؤدي التدريس بالطرق التقليدية التي تعتمد مركزية المدرس كمصدر للسلطة المطلقة داخل الفصل ، إلى دفع هذا الطفل إلى اعتماد العنف، و التنمر.
هذا بالإضافة إلى غياب الأنشطة الموازية داخل المدارس ، و اختزال الحياة المدرسية في الأنشطة الرسمية فقط.
الثورة التكنولوجية
تعتمد الألعاب الإلكترونية عادة على مفاهيم مثل القوة الخارقة وسحق الخصوم، والانتصار دون أي هدف تربوي.
لذلك نجد الأطفال المدمنين على هذا النوع من الألعاب ، يعتبرون الحياة المدرسية ، امتدادا لهذه الألعاب.
وهنا ينبغي على الأسرة عدم السماح بتقوقع الأبناء على هذه الألعاب والسعي للحد من وجودها.
كما يلاحظ تزايد مشاهد العنف و القتل الهمجي في الإعلام.
وذلك يؤثر على الطفل حيث يميل بالفطرة إلى تصديق هذه الأمور، و يقوم بتقليدها.
كيف نقضي على التنمر؟
تعتبر أول خطوة لعلاج هذه المشكلة هو الاعتراف بوجودها ، إلى جانب الخطوات التالية..
التعاون الأسري
الأسرة هي البيئة الأولى التي تؤثر في سلوك الطفل.
ليكون التدخل الأسري فعالًا ، لابد من التروي و عدم العجلة في الحكم على سلوك الطفل و وصفه بالمتنمر.
و في حالة ثبوت تنمر الطفل ، يجب مناقشته بهدوء و تعقل ، و استفساره حول الأسباب التي تجعله يقوم بهذا السلوك.
كما يجب تفادي وصف الطفل بالمعتدي أو المتنمر ، لأن ذلك يمكن أن يأتي بنتائج عكسية وخيمة.
و على الآباء عدم اختلاق الأعذار للطفل والتبرير لأفعاله وبخاصة أمام المعلمين و الزملاء .
كما ينبغي التحكم فيما يشاهده الطفل في التلفاز ، و تذكير الأطفال بوجوب احترام مشاعر الآخرين.
أما في حالة كان الابن ضحية التنمر ، فيجب على الوالدين إبلاغ الإدارة.
بالإضافة إلى الشروع في تعليم الطفل مهارات تأكيد الذات، والاثقة في قدراته.
وفي حال كان منعزلًا اجتماعيًا بالمدرسة فيجب إشراكه بالنشاطات وبناء ثقته بنفسه.
دور المدرسة
يتم من خلال تطوير برنامج مدرسي واسع، بالتعاون بين الإدارة التربوية والطلبة والمعلمين وأولياء الأمور.
بحيث يكون هدف هذا البرنامج هو تغيير ثقافة المدرسة ، وتأكيد الاحترام المتبادل ، والقضاء على التنمر.
و ليكون البرنامج العلاجي جيدًا ، لابد أن يشمل بعض الأمور.
ويأتي في مقدمتها توعية المعلمين والأهالي والطلبة بماهية سلوك التنمر و خطورته .
كما يجب إشراك المجتمع المدني و الشركاء المؤسساتيين للمدرسة في محاربة الظاهرة .
و وضع برامج علاجية للمتنمرين بالشراكة مع المختصين في علم النفس.
كما ينبغي تنظيم أنشطة موازية تهتم بتنمية الثقة بالنفس و تأكيد و احترام الذات.
مع إثارة النقاشات في الفصل و استغلال اللعب البديل من خلال لعب دور الضحية للإحساس بشعورها.
موقف اليونيسيف
حرصت منظمة اليونيسف فى مصر، على مواصلة حملتها للقضاء على الظاهرة فى المدارس.
و طالبت المنظمة فى مصر، بضرورة إبلاغ خط نجدة الطفل، الذي يهدف إلى إنقاذهم.
ويعمل الخط بشكل مجانى على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع.
مع توفير فريق عمل مدرب للتعامل مع جميع أنواع التنمر.