هل ينجح وليّ العهد السعودي بترميم صورته عبر التزلف
- تابع بن سلمان خطّة «مغازلة» تركيّا موجّها رسالة مباشرة جدا بالقول إنه يريد أن يوصل «رسالة».
- هجوم إعلامي معاكس بعد تهشّم صورته العالمية التي كلّفت عبر شبكات العلاقات العامّة واللوبيات مئات الملايين.
- انكشفت الأكاذيب الكبيرة عن «خروج» خاشقجي من القنصلية وظهرت الحقائق المفزعة.
- لم يستهدف بن سلمان المعارضين له فحسب، بل حتى من نصحوه أو اختلفوا معه قيد أنملة.
* * *
شاهد العالم العرض المؤذي نفسيّا وبصريّا الذي قام به وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان أول أمس بتقديم «تعازيه» إلى صلاح خاشقجي نجل الصحافي القتيل (والممنوع من السفر!)
بعد العرض، بدا الحاكم الفعليّ للمملكة وقد استجمع أنفاسه وقرّر أن يشنّ هجوماً إعلاميّا معاكسا بعد أن تهشّمت صورته العالمية التي كلّفت، عبر شبكات العلاقات العامّة ولوبيات الضغط السياسي، مئات الملايين (وربما المليارات) من الدولارات، مع انكشاف كتلة الأكاذيب السعودية الكبيرة عن «خروج» خاشقجي من قنصلية بلاده في إسطنبول وظهور الحقائق المفزعة عن خطّط اغتيال وتقطيع للجثة ثم اختفاء أجزائها في أمكنة لم تعلم بعد.
جرى ذلك خلال لقاء بثّته القنوات الفضائية ضم بن سلمان ووليّ عهد البحرين، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ورئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري، ومحمد بن راشد، نائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبيّ.
وتركّزت مدائح المسؤولين المذكورين الثلاثة، وخصوصاً اللبناني سعد الحريري، على وليّ العهد السعودي، الذي بلغ انشراحه درجة إعادة تذكير الحضور بالحادثة البائسة لاحتجاز الحريري في الرياض بالقول إن رئيس الوزراء اللبناني المكلف «سيبقى في المملكة ليومين آخرين»، بل إنه لم يستنكف عن ذكر خاشقجي نفسه واعتبار مقتله «حادثا بشعا» متعهدا «محاسبة المجرمين».
يأتي ذلك في الوقت الذي تتجه فيه الاتهامات الدولية، والأمريكية خصوصاً، إلى تحميل بن سلمان، مباشرة، مسؤولية عملية الاغتيال، كما ظهر أمس في إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قد لا يكون عرف بالعملية لأن من يدير البلاد فعليا هو وليّ العهد (وهو شبيه بما فعله الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في خطابه الثلاثاء الماضي).
وهو ما يفسّر، إلى حد كبير، الثقة التي حاول بن سلمان الإيحاء بها، لكنّه يفسّر أيضاً اضطراره لاتخاذ بعض الخطوات الدفاعية تحت وطأة العاصفة الكبرى التي أثارتها عملية اغتيال خاشقجي وتهاوي الروايات الركيكة التي ألّفتها شبكة المسؤولين الأقوياء التي يديرها شخصيا.
بدأت خطة بن سلمان الدفاعية بخطّ الهجوم الأول في تركيا حيث بادر للاتصال بالرئيس التركي إردوغان وبحث معه، كما قالت وكالات الأنباء، «بذل الجهود المشتركة لكشف جميع جوانب جريمة قتل الصحافي خاشقجي».
فابن سلمان، إضافة إلى كل مسؤولياته الكبرى في المملكة، «كلّف» ايضاً برئاسة لجنة إعادة هيكلة الاستخبارات السعودية وبالتحقيق في مقتل خاشقجي!
وفي لقائه المذكور ضمن فعاليات منتدى الاستثمار (الذي أسقط اسم دافوس الصحراء منه بطلب من منتدى دافوس الحقيقي) تابع بن سلمان خطّة «مغازلة» تركيّا موجّها رسالة مباشرة جدا بالقول إنه يريد أن يوصل «رسالة».
وهي أنه «لن يحدث شرخ» بين تركيا والسعودية «طالما موجود ملك اسمه سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان والرئيس التركي إردوغان»!
وبوضعه اسمه كـ«واسطة العقد» في معادلة منع «الشرخ» بين البلدين فإن بن سلمان يفكّك المعادلة التي حاول إردوغان (وترامب مضطرا) تركيبها، وهي فصل الملك عن وليّ عهده، وهي رسالة «سلام» ولكنها رسالة تهديد أيضاً.
امتدّت رحلة المغازلة إلى قطر أيضاً التي كان بن سلمان أحد المتحمسين لحصارها بالقول إن هناك دولا محيطة بالسعودية تسير في طريق نجاح خططها بما فيها قطر، التي تملك اقتصادا قويا!
وهي إشارة ما كان يمكن، للأسف، أن تصدر عن ولي العهد السعودي لولا جريمة اغتيال خاشقجي، وهي، بهذا المعنى، لن تقرأ بمعنى المديح العادل بل بمعنى التزلّف الاضطراري، والأغرب من ذلك أنه امتدح أيضاً شعبه بالقول إنه «شعب جبار وعظيم».
وهذا الشعب العظيم والموعود بالمعجزات الاقتصادية هو نفسه الذي قام وليّ العهد السعودي بسجن نخبه، بدءاً من كبار الرأسماليين وحتى الأمراء وصولا إلى الأكاديميين والناشطين والدعاة، وبذلك فقد استهدف ليس المعارضين له فحسب، بل حتى من نصحوه أو اختلفوا معه قيد أنملة.
المصدر: «القدس العربي»