بقلم: عبد العزيز العويشق
باغتيال وسام الحسن يحاول النظام السوري تصدير أزمته إلى لبنان، ولكن ذلك سيعجّل بالتدخل الخارجي لحلها، فحجة حلفائه الروس في رفض التدخل الدولي سابقا هي كون النزاع داخليا ولذا يجب ترك حلّه للسوريين وحدهم
في يوم الجمعة (19 أكتوبر) أودى تفجير مروع في حي الأشرفية في بيروت باللواء وسام الحسن، أحد أهم قادة الأمن في لبنان. وهو تطور خطير في مسار الأزمة السورية التي بدأت في الانتشار إلى الدول المجاورة. ومن المؤكد أن هذا الهجوم سيُسهم في زيادة الاحتقان الطائفي في الكيان السياسي اللبناني الهشّ، ولكن حكمة اللبنانيين قد تنجح في إحباط هذا المخطط الذي يهدف إلى إشاعة الفوضى في لبنان، وإعادته إلى أتون الحرب الأهلية، وإجهاض التحقيقات في الجرائم التي ارتكبتها سورية وحلفاؤها في لبنان.
ومن السابق لأوانه تحديد الأشخاص الذين نفذوا هذا الاغتيال، إلا أنه يحمل بصمات النظام السوري الواضحة، إما من خلال أجهزته مباشرة أو عن طريق حلفائه. ولو ثبت ذلك، فإنه مؤشر آخر على تصميم النظام على تصدير أزمته إلى البلدان المجاورة، ليجرها معه إلى هاوية من صنع يديه.
ولكن بتصدير الأزمة إلى لبنان ربما يدفع النظام السوري، دون قصد منه، بالتعجيل بالتدخل الخارجي لحلها، ذلك أنه ما دام النزاع داخلياً فإن فرص التدخل الدولي محدودة، فحجة روسيا الرئيسية في رفض التدخل الدولي هي كون النزاع داخلياً بين السوريين ولذا يجب ترك حلّه لهم وحدهم، ولذلك فإن النظام بفعلته هذه يُضعف من حجج حليفته الأولى.
ومن المؤكد أن أشد وأوضح أعداء اللواء وسام الحسن هما النظام السوري وحليفه حزب الله، بسبب كشفه تورطهما في عدد من القضايا. ويمكن أن يكون أي منهما، أو كلاهما، متورطاً في هذه العملية، فقد استخدما سلاح الاغتيال مراراً في الماضي لتصفية خصومهما، مستهدفين القادة السياسيين والدينيين، والمفكرين، والكتاب، والصحفيين، وكل من وقف في وجه محاولاتهما الهيمنة على لبنان.
ففي أوائل أغسطس 2012، قاد اللواء الحسن التحقيقات في مخطط ميشيل سماحة، وزير الإعلام السابق الموالي لسورية، الذي ضُبط وهو يحاول تهريب متفجرات إلى لبنان لاستخدامها في عمليات إرهابية تهدف إلى تذكية النزاع الطائفي. ولو نجح ذلك المخطط، لجرّ لبنان إلى هاوية الحرب الأهلية مرة أخرى، ولكن يقظة الحسن وحرفيته تمكنتا من إجهاض المخطط، ولذلك، فإن الكثير من اللبنانيين يعتقدون أن اغتيال الحسن هو عقاب له على إحباطه لتلك الخطط.
وقبل فضيحة سماحة، كان الحسن يقود التحقيق في دور حزب الله في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في عام 2005م، ويعمل بصفة وثيقة مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وبالطبع فإن الحزب (الموالي لسورية وإيران) قد نفى أي علاقة له بتلك الجريمة، ولكنه أضعف حجته بسبب رفضه تسليم المشتبه بضلوعهم فيها، واستمراره في حملة اغتيالات وإرهاب لمعارضيه في لبنان، وهي حملة بدأها منذ نحو 25 عاماً.
ومع أن حزب الله شريك أساسي في التحالف الحاكم في لبنان، ويمتلك أقلية مسيطرة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وفي البرلمان، إلا أنه من نواح كثيرة يتصرف كما لو كان حركة تعمل خارج نطاق القانون. وفي يوم الخميس (18 أكتوبر)، أي قبل اغتيال الحسن بيوم واحد، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تقريراً يتهم فيه الحزب بالضلوع في الحرب في سورية إلى جانب النظام السوري، ويقول بلغة صريحة غير معتادة “إن العدد المتزايد من التقارير عن أعمال حزب الله في سورية، وهو شريك في الحكومة اللبنانية” يتناقض مع سياسة الحياد المعلنة من قبل الحكومة، ويهدد “في نهاية المطاف استقرار لبنان.”
وأذكر حينما شرعتُ في إعداد عدد من الدراسات والتقارير عن الوضع في لبنان، منذ عشرين عاماً، كيف اكتشفتُ بسرعة مدى التغلغل السوري في كل جزء من الحياة السياسية في لبنان، والعنف غير المحدود الذي صاحب ذلك التغلغل.
ويختزل كثير من اللبنانيين مشاكل لبنان بوقوعه بين فكي الكماشة: إسرائيل وسورية، فما لا تستطيع إسرائيل تدميره من لبنان بحروبها عالية التقنية، استطاعت سورية أن تقضي عليه بوسائلها البدائية. وكما نعرف فقد استباحت إسرائيل لبنان براً و بحراً وجواً، وأرسلت فرق الاغتيال والاختطاف مستهدفة القيادات الفلسطينية واللبنانية. ونادراً ما كانت القوات السورية التي ظلت في لبنان نحو (30) عاماً (1976-2005) تواجه إسرائيل، حتى حينما كانت تهاجم قواتها مباشرة، وهو ما كان مفاجأة لي في حينه.
وخلال زياراتي إلى لبنان، كثيراً ما رأيت الجيش السوري، بآلياته الروسية المتهالكة، وجنود لا يبدون على درجة عالية من المهنية. وكان من الصعب التوفيق بين تلك الصورة وما كان ينسبه له اللبنانيون من قوة خارقة جعلته الحكم الفصل في الشؤون اللبنانية.
وسرعان ما اتضح لي أن الوجود السوري في لبنان لم يكن بحاجة إلى آليات متقدمة حديثة، أو جنود على درجة عالية من التدريب، فمدفعيته ودباباته الروسية الصنع كانت كافية لقصف الأحياء المدنية ونشر الرعب فيها. وبالمثل فإن فرق الموت التي كان يستخدمها للقضاء على معارضيه لم تكن بحاجة إلى أسلحة حديثة، بل كانت تفضل الأسلحة البدائية، مثل السيارات المفخخة، التي تنشر الرعب بين المواطنين في الوقت الذي تقضي فيه على المعارضين. مثل السيارة التي قضت على الرئيس الأسبق رفيق الحريري، في 14 فبراير 2005، وقتلت وأصابت عشرات من رفاقه ومن المارة والمحلات والبيوت المجاورة لمكان الحادث، ومثل السيارة التي قتلت اللواء وسام الحسن يوم الجمعة الماضي، وأصابت عشرات من المدنيين الآمنين. فالترويع جزء لا يتجزأ من أهداف تلك العمليات الإرهابية..
من المؤكد أن النظام السوري يعيش آخر أيامه، لكن ذلك لم يمنعه من تصعيد أساليب الفتك والإبادة بحق شعبه، وبالمثل فإن حلفاءه في لبنان ما زالوا قادرين على نشر الرعب بين إخوانهم في الوطن بأساليب الغدر والإرهاب.