يسعى الغربيون إلى تجنّب أي خطوة قد تجعلهم أطرافًا في النزاع في نظر روسيا.
واشنطن هي في صلب النزاع وجزء من النخبة الأميركية الحاكمة يريد “إذلال روسيا” و”صفعها على وجهها.
لافروف: “في حال انخرط الأطلسي (الناتو) في نهاية المطاف في حرب بالوكالة ضد روسيا فإن الحرب إذن هي حرب”.
أكدت مصادر في أجهزة الاستخبارات أنها ساعدت كييف في استهداف جنرالات روس وضرب سفن في البحر الأسود.
“الأوكرانيون لا يقاتلون سوى من أجل أنفسهم، هم ليسوا وكلاء أي جهة، كييف تقرّر إيقاع النزاع من خلال مقاومة شرسة”. .
* * *
باريس: تشدد الدول الغربية على رغبتها في إنهاء الحرب في أوكرانيا، وهو أمر لا يتجسّد على أرض الواقع بينما يطرح حجم المساعدات العسكرية المقدّمة لكييف والعقوبات المفروضة على موسكو سؤالًا مفاده: هل هي حرب بالوكالة بين الغرب وروسيا؟
تبدو المواجهة المباشرة حتى الآن مستبعدة من قبل الجميع: فأحد لا يتمنى أن تتواجه قوى نووية. ويسعى الغربيون إلى تجنّب أي خطوة قد تجعلهم أطرافًا في النزاع في نظر روسيا.
إلا أن المحللين الذين تحدثت معهم وكالة فرانس برس، من موسكو إلى واشنطن مرورًا ببكين، يتوافقون على أن انخراط الأميركيين، وبعض الأوروبيين بدرجة أقلّ، يجعلهم لاعبين رئيسيين.
يتحدث الباحث في جامعة تارتو الاستونية إيفان كويشتش عن صراع في التصوّرات. ويشرح لوكالة فرانس برس أن “الأوكرانيين لا يقاتلون سوى من أجل أنفسهم، هم ليسوا وكلاء أي جهة”، معتبرًا أن كييف تقرر إيقاع النزاع من خلال مقاومة شرسة.
ويضيف “بالنسبة إلى روسيا، إنها حرب بالوكالة ضد الغرب: فالأوكرانيون شريرون ويتصرّفون بناء على أوامر الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي”. ويرى أن الأميركيين يريدون “ليس فقط أن تخسر موسكو، إنما أيضًا ألا تتمكن (روسيا) أبدًا من شنّ مثل هذه الحرب”.
في الواقع، تتحدث روسيا عن عدوان غربي بالوكالة. ويؤكد ألكسندر خرامتشيخين من معهد التحليل السياسي والعسكري في موسكو لوكالة فرانس برس أن ذلك “أمر واضح”، مشيرًا إلى أن “الغرب يطيل أمد هذه الحرب إلى الحدّ الأقصى عبر تسليمه أسلحة (لأوكرانيا). بتنا نتحدث عن سنوات الآن”.
أواخر نيسان/أبريل، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: “في حال (انخرط) حلف شمال الأطلسي في نهاية المطاف في حرب بالوكالة ضد روسيا (…) فإن الحرب إذن هي حرب”.
“غير معلنة”
من جانبه، قال الأمين العام لمجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروتشيف، الثلاثاء، إن “الحملة المناهضة للروس، التي يقوم بها الأميركيون والدول التابعة لهم، تُظهر بشكل مقنع أن أوكرانيا أصبحت ذريعةً لشنّ حرب غير معلنة على روسيا”.
كل المصطلحات المستخدمة من جانب الدول مهمّة. إذ إن الولايات المتحدة تؤكد باستمرار دعمها للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بعد أن استبعدت قبل اندلاع الحرب فرضية الدخول رسميًا في النزاع.
ويجري الحديث بشكل علني عن تسليم أسلحة وتقديم أموال إلى كييف. وأكدت مصادر في أجهزة الاستخبارات لوسائل إعلام أميركية أنها ساعدت كييف في استهداف جنرالات روس وضرب سفن في البحر الأسود.
يشير المدير الأكاديمي لمؤسسة البحر المتوسط للدراسات الاستراتيجية بيار رازو إلى أن الحرب في أوكرانيا سمحت للأجهزة الأميركية بإثبات قدراتها. ويوضح لفرانس برس أن “خلال 48 ساعة، زالت كافة أخطائها الاستراتيجية المرتكبة في السنوات العشرين الأخيرة، من اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر، وحتى انتصار طالبان، والانسحاب الفوضوي من أفغانستان عام 2021”.
تقدّم الحرب أيضًا فرصة للمتشددين في واشنطن، الذين يريدون إضعاف السلطة الروسية. ويقول بيار رازو “هناك فرق بين ضمان ألا يتمكن الكرملين من الفوز وجعله يخسر بأي ثمن. ومنطق الأميركيين هو جعله يخسر مهما كلّف الأمر”.
الناتو منقسم
يؤكد إيفان كويشتش هذه الأهداف المتشددة، التي تعززت بعد حرب روسيا على جورجيا عام 2008، ثمّ ضمّ موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014. ويقول إن جزءًا من النخبة الأميركية الحاكمة يريد “إذلال روسيا” و”صفعها على وجهها”.
غير أن الاتحاد الأوروبي يبدو أكثر تحفّظًا كما أنه منقسم. فقد أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرًا إلى أن السلام سيُبنى أيضًا مع روسيا، وأن ذلك “لن يحصل من خلال رفض أو استبعاد بعضنا بعضًا، ولا حتى بالإذلال”.
لا تتحدث الدول الغربية بصوت واحد. ويوضح إيفان كويشتش أن “ذلك يطرح أسئلة بشأن وحدة دول حلف الناتو عندما سنقترب من شكل من أشكال نهاية النزاع”.
لدى الولايات المتحدة بوضوح الطموحات الأكثر تطرّفًا. وكتبت صحيفة “غلوبل تايمز” في بكين أن واشنطن تريد إطالة أمد النزاع “لاستخلاص قيمة جيوسياسية منه”. واتّهمت الصحيفة الصينية القومية الأميركيين “باستغلال الفوضى”.
يعتبر كولين كلارك مدير الأبحاث في مركز صوفان، ومقرّه نيويورك، أن واشنطن هي في صلب النزاع.
ويقول إن الغربيين يسلّمون كييف أسلحة بدون توقف، فيما يثير الأوكرانيين “إعجاباً كبيراً بكفاءتهم، ما يشير إلى التدريب والتعاون المستمرّ منذ سنوات”.
لكنّه يؤكد أن من الجيّد الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لم تبدأ هذه الحرب. ويقول “في الأغلب، تساعد دول الناتو والولايات المتحدة دولة أوروبية صديقة وحليفة، في الدفاع عن وحدة أراضيها”.
المصدر: فرانس برس
موضوعات تهمك: